ولما كانت هذه أعذاراً أخرى مقتضية للترخيص أو أسباباً لعدم الإحصاء، رتب عليها الحكم السابق، فقال مؤكداً للقراءة بياناً لمزيد عظمتها :﴿ فاقرءوا ﴾ أي كل واحد منكم ﴿ ما تيسر ﴾ أي لكم ﴿ منه ﴾ أي القرآن، أضمره إعلاماً بأنه عين السابق، فصار الواجب قيام شيء من الليل على وجه التيسير، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس.
ولما كان صالحاً لأن يراد به الصلاة لكونه أعظم أركانها وأن يراد به نفسه من غير صلاة زيادة في التخفيف، قال ترجيحاً لإرادة هذا الثاني أو تنصيصاً على إرادة الأول :﴿ وأقيموا ﴾ أي أوجدوا إقامة ﴿ الصلاة ﴾ المكتوبة بجميع الأمور التي تقوم بها من أركانها وشروطها ومقدماتها ومتمماتها وهيئاتها ومحسناتها ومكملاتها.
ولما ذكر بصفة الخالق التي هي أحد عمودي الإسلام البدني والمالي، أتبعها العمود الآخر وهو الوصلة بين الخلائق فقال :﴿ وآتوا ﴾ من طيب أموالكم التي أنعمنا به عليكم ﴿ الزكاة ﴾ أي المفروضة، ولما كان المراد الواجب المعروف، أتبعه سائر الإنفاقات المفروضة والمندوبة، فقال :﴿ وأقرضوا الله ﴾ أي الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال التي منها الغنى المطلق، من أبدانكم وأموالكم في أوقات صحتكم ويساركم ﴿ قرضاً حسناً ﴾ من نوافل الخيرات كلها في جميع شرعه برغبة تامة وعلى هيئة جميلة في ابتدائه وانتهائه وجميع أحواله، فإنه محفوظ لكم عنده مبارك فيه ليرده عليكم مضاعفاً أحوج ما تكونون إليه.