ولما كان الأمر عند نزول هذه السورة في أوله والناس قد عمهم الفساد، ذكر أحد وصفي الرسالة إيذاناً بشدة إليه فقال مسبباً عن قيامه :﴿فأنذر﴾ أي فافعل الإنذار لكل من يمكن إذناره فأنذر من كان راقداً في غفلاته، متدثراً بأثواب سكراته، لاهياً عما أماه من أهوال يوم القيامة، وكذا من كان مستيقظاً ولكنه متدثر بأثواب تشويفاته وأغشيته فتراته، فإنه يجب على كل مربوب أن يشكر ربه وإلا عاقبه بعناده له أو غفلته عنه بما أقله الإعراض عنه، وحذف المفعول إشارة إلى عموم الإنذار لكل من يمكن منه المخالفة عقلاً وهم جميع الخلق، وذلك أنه ﷺ كان نزل عليه جبريل عليه لاسلام بـ ﴿اقرأ باسم ربك﴾ [العلق : ١] ونحوها فكان بذلك نبياً ثم نزلت عليه هذه الآية فكان بها رسولاً، وذلك أنه نودي وهو في جبل حراء، فلما سمع الصوت نظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً، فرفع رأسه فإذا جبريل عليه الصلاة والسلام جالس على عرش بين السماء والأرض، ففرق من ذلك أشد الفرق، فبادر المجيء إلى البيت ترجف بوادره وقال :"دثروني دثروني، لقد خشيت على نفس، صبوا عليّ ماءً بارداً ".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٠
ولما كان الإنذار يتضمن مواجهة الناس بما يكرهون، وذلك عظيم على الإنسان، وكان المفتر عن اتباع الداعي أحد أمرين : تركه مما يؤمر به، وطلبه عليه الأجر، كما أن الموجب لاتباعه عمله بما دعا إليه، وبعده عن أخذ الأجر عليه، أمره بتعظيم نم أرسله سبحانه فإنه إذا عظم حق تعظيمه صغر كل شيء دونه، فهان عليه الدعاء وكان له معيناً على القبول فقال :﴿وربك﴾ أي المربي لك خاصة ﴿فكبر *﴾ أي وقم فتسبب عن قيامك بغاية الجد والاجتهاد أن تصفه وحده بالكبرياء قولاً واعتقاداً على كل حال، وذلك تنزيهه عن الشرك أول كل شيء، وكذا عن كل ما لا يليق به من وصل وفصل، ومن سؤال غيره، والاشتغال بسواه.