المطاعن، فحاد عن وجوه الأفكار إلى أقفائها ﴿واستكبر *﴾ أي وأوجد الكبر عن الاعتراف بالحق إيجاد من هو في غاية الرغبة فيه، وكان هذا غاية العناد، فكان معنى العنيد ﴿فقال﴾ أي عقب ما جره إليه طبعه الخبيث من إيقاع الكبر على هذا الوجه لكونه رآه نافعاً لهم في الدنيا ولم يفكر في عاقبة ذلك من جهة الله، وأنه سبحانه لا يهدي كيد الخائنين ولا ينجح مراد الكاذبين، ونحو هذا مما جربوه في دنياهم فكيف رقى نظره إلى أمر الآخرة، وأكد الكلام لما يعلم من إنكار من يسمعه فقال :﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي الذي أتى به محمد ﷺ ﴿إلا سحر﴾ أي أمور تخييلية لا حقائق لها، وهي لدقتها بحيث تخفى أسبابها.
ولما كان من المعلوم لهم أن محمداً ﷺ ما سحر قط ولا تعلم سحراً، فكان من ادعى ذلك علم كذبه بأدنى نظر بعد الأمر بقدر استطاعته فقال :﴿يؤثر *﴾ أي من شأنه أن ينقله السامع له من غيره، فهو لقوة سحريته وإفراطها في بابها يفرق بمجرد الرواية بين المرء وزوجه وبين المرء وأبيه وابنه إلى غير ذلك من العجائب التي تنشأ عنه.
ولما كان السامع يجوز أن يكون مأثوراً عن لاله فيوجب له ذلك الرغبة فيه، قال من غير عاطف كالمبين للأول والمؤكد له، وساقه على وجه التأكيد بالحصر لعلمه أن كل ذي بصيرة ينكر كلامه :﴿إن﴾ أي ما ﴿هذا﴾ أي القرآن ﴿إلا قول البشر *﴾ أي ليس فيه شيء عن الله فلا يغتر أحد به ولا يعرج عليه، وقد مدحه بهذا الذم بعد هذا التفكير كله من حيث إنه أثبت أنه معجوز عنه لأغلب الناس كما يعجزون عن السحر فسكت ألفاً ونطق خلفاً، فكان شبيهاً من بعض الوجوه بما قاله بعضهم :
لو قيل " كم خمس وخمس " لاغتدى يوماً وليلته يعد ويحسب ويقول معضلة عجيب أمرها ولئن عجبت لها الأمري أعجب حتى إذا خدرت يداه وعورت عيناه مما قد يخط ويكتب أوفى على شرف وقال ألا انظروا ويكاد من فرح يجن ويسلب خمس وخمس ستة أو سبعة قولان قالهما الخليل وثعلب