ولما كان هذا غير مميز للمعدود، وكانت الحكمة في تعيين هذا العد غير ظاهر، وكان هذا العدد مما يستقله المتعنت فيزيده كفراً، قال تعالى مبيناً لذلك :﴿وما جعلنا﴾ أي بما لنا من العظمة وإن خفي وجه العظمة فيه على من عمي قلبه ﴿أصحاب النار﴾ أي خزنتها ﴿إلا ملائكتة﴾ أي إنهم ليسوا من جنس المعذبين فيرقوا لهم ويطيق المعذبون محاولتهم أو يستريحوا إليهم وهم أقوى الخلق، وقد تكرر عليكم ذكرهم وعلمتم أوصافهم وأنهم ليسو كالبشر بل الواحد منم يصيح صيحة واحدة فيهلك مدينة كاملة كما وقع لثمود، فكيف إذا كا كل واحد من هؤلاء الخزنة رئيساً تحت يده من الجنود ما لا يحصيه إلا الله تعالى ﴿وما جعلنا﴾ على ما لنا من العظمة ﴿عدتهم﴾ أي مذكورة ومحصورة فيما ذكرنا ﴿إلا فتنة﴾ أي حالة مخالطة مميلة محيلة ﴿للذين كفروا﴾ أي أوجدوا هذا الوصف ولو على أدنى الوجوه، فإنهم يستقلونه ويستهزئون به ويتعنتون أنواعاً من التعنت بحيث إن بعض أغبياء قريش وهو أبو جهل، قال : ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يقول كذا وأنتم أدلهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي - وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين، وهذا كله على سبيل الاستهزاء، فإنهم مكذبون بالبعث الذي هذا من آثاره، وكان في علم أهل الكتاب أن هذه العدة عدتهم، وأن العرب إذا سمعوا هذه العدة كانت سبباً للشك أكثرهم وموضعاً للتعنت، فلذلك علق بالفتنة أو بـ " جعلنا " قوله :﴿ليستقين﴾ أي يوجد اليقين إيجاداً تاماً كأنه بغاية الرغبة ﴿الذين أوتوا الكتاب﴾ بناه للمفعول لأن مطلق الإيتاء كاف في ذلك من غير احتياج إلى تعيين المؤتي مع أنه معروف أنه هو الله، قال البغوي : مكتوب في التوراة والإنجيل أنهم تسعة عشر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣١


الصفحة التالية
Icon