ولما كان التقدير : فمن تحاماها فقد أنصف نفسه بأخذه النور المبين، عطف عليه قوله :﴿ومن يتعد﴾ أي يقع منه في وقت من الأوقات أنه يتعمد أن يعدو ﴿حدود الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿فقد ظلم نفسه﴾ بأن مشاها في الظلام فصارت تضع الأشياء في غير مواضعها، فصار بمعرض الهلاك بالعقاب كما أن الماشي في الظلام معرض للوقوع في حقرة والدوس على شوكة أو حية أو عقرب أو سبع، أو لأن ينفرد بقاطع، أو أن يضل عن الطريق إلى مهالك لا يمكن النجاة منها، ومثال ذلك الحكيم إذا وصف دواء بقانون معلوم في وقت محدود ومكان مخصوص فخولف لم لم يضر يضر المخالف ذلك الحكيم وإنما ضر نفسه.
ولما كان له الخلق جميعاً تحت أوامره سبحانه مع أنها كلها خير لا شر فيه بوجه إسرار وإغوار، لا تدرك ولا تحصى، وقد يظهر بعضها لسان الحدثان بيد القدرة، وكان متعديها ظالماً وكانمن أقرب ظلمه وأبينه الإيقاع في مهاوي العشق، فسره سبحانه بقوله مبيناً عظمته بخطاب الإعلاء :﴿لا تدري﴾ أي يا أيها النبي الكرمي ما يكون عن ذلك من الأمور التي يحدثها الله لتشير على المطلق بشيء مما يصلحه فغيرك من باب الأولى.
ولما نفى عنه العلم المغيب لاختصاصه سبحانه به وحذف المتعلق إعراقاً في التعميم، وكان كل أحد فيما يحدث له من الأمور ما بين رجاء وإشفاق، عبر عن ذلك بأداة صالحة لها فقال :﴿لعل الله﴾ أي الذي بيده القلوب ومقاليد جميع الأمور ﴿يحدث﴾ أي يوجد شيئاً حادثاً لم يكن إيجاداً ثابتاً لا يقدر الخلق على التسبب في
٢٦
زواله فيكون مستغرقاً لزمان العمر كما أشار إليه نزع الخافض في قوله تعالى :﴿بعد ذلك﴾ أي الحادث من الإشارة بالضرار بالإخراج أو تطويل العدة أو غير ذلك ﴿أمراً *﴾ أي من الأمور المهمة كالرغبة المفرطة في الزوجة فلا يتأتى ذلك إما بأن كان الضرار بالطلاق الثلاثة أو بأن كانت من ذوي الأنفة فأثرت فيها الإساءة وفيمن ينتصر لها فمنعت نفسها منه.