ولما كان في غ اية السهولة والحلاوة لكل منعرفه بوجه من الوجوه، وكان الله سبحانه قد خلق القوى والقدر، وجعل للعبد اختياراً، قال مسبباً عن كونه موضعاً للتذكر :﴿فمن شاء﴾ أي أن يذكره ﴿ذكره *﴾ فثبت في صدره وعلم معناه وتخلق به، فليس أحد يقدر أن يقول : إنه صعب التركيب عظيم التعقيد عسر الفهم، يحتاج في استخراج المعاني منه إلى علاج كبير وممارسة طويلة فأنا معذور في الوقوف عنه، بل هو كالبحر الفرات، من شاء اغترف، لأنه خوطب به أمة أمية لا ممارسة لها لشيء من العلوم، فسهل في لفظه ومعناه غاية السهولة مع أنه لا يوصل إلى قراره ولا يطمع في مناظرة أثر من آثاره، بل كلما زاد الإنسان فيه تأملاً زاده معاني.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٨
ولما كان هذا ربما أوهم أن للعبد استقلالاً بالتصرف، قال معلماً بأن هذا إنما هو كناية عما له من السهولة والحلاوة والعذوبة التي توجب عشقه لكل ذي لب منبهاً على ترك الإعجاب وإظهار الذل والالتجاء والافتقار إلى العزيز الغفار في طلب التوفيق لأقوم طريق :﴿وما يذكرون﴾ أي ولا واحد منكم هذا القرآن ولا غيره في وقت من الأوقات ﴿إلا أن يشاء الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه، وهو صريح في أن فعل العبد من المشيئة، وما ينشأ عنها إنما هو بمشيئة الله.
ولما ثبت أنه سباحنه الفعال لما يريد وأنه لا فعل لغيره بدون مشيئته، وكان من المعلوم أن أكثر أفعال العباد مما لا يرضيه، فلولا حلمه ما قدروا على ذلك، وكان عفو القادر مستحسناً، قال مبيناً لأنه أهل للرهبة والرغبة :﴿هو﴾ أي وحده ﴿أهل التقوى﴾ أي أن يتقوه عباده ويحذروا غضبه بكل ما تصل قدرتهم إليه لما له من الجلال والعظمة والقهر، ويجوز أن يكون الضمير للمتقي ﴿وأهل المغفرة *﴾ أي لأن يطلب غفرانه للذنوب لا سيما إذا اتقاه المذنب لأن له الجمال واللطف وهو قادر ولا قدرة لغيره ولا ينفعه شيء ولا يضره شيء، فهو
٢٣٩