قال بانياً عليه بعد الإشارة إلى تعظيم أمر القيامة بما دل عليه حذف الجواب من أنها في وضوح الأمر وتحتم الكون على حالة لا تخفى على أحد منكراً على من يشك فيها بعد ذلك :﴿أيحسب الإنسان﴾ أي هذا النوع الذي يقبل على الأنس بنفسه والنظر في عطفه والسرور بحسبه، وأسند الفعل إلى النوع كله لأن أكثرهم كذلك لغلبة الحظوظ على العقل إلا من عصم الله ﴿أن﴾ أي أنا.
ولما كان فيهم من يبالغ في الإنكار، عبر أيضاً بأداة التأكيد فقال :﴿لن نجمع﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿عظامه *﴾ أي التي هي قالب بدنه وعماده من الأرض فيعيدها كما كانت بعد تمزقها وتفتتها وافتراقها وبلاها وانمحاقها، وقد سدت المخففة مسد مفعولي " يحسب " المقدرين بـ " يحسبنا " غير جامعين.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم قوله مخبراً عن أهل الكفر ﴿وكنا نكذب بيوم الدين﴾ [المدثر : ٤٦] ثم تقدم في صدر السورة قوله تعالى :﴿فإذا نقر في الناقور﴾ [المدثر : ٨] إلى قوله :﴿غير يسير﴾ [المدثر : ٩] والمراد به يوم القيامة، والوعيد به لمن ذكر بعد في قوله ﴿ذرني ومن خلقت وحيداً﴾ [المدثر : ١١] الآيات ومن كان على حاله في تكذيب وقوع ذلك اليوم، ثم تكرر ذكره عند جواب من سئل
٢٤٣
بقوله ﴿ما سلككم في سقر﴾ [المدثر : ٤٢] فبسط القول في هذه السورة في بيان ذكر ذلك اليوم وأهواله، وأشير إلى حال من كذب به في قوله تعالى ﴿يسأل أيان يوم القيامة﴾ [القيامة : ٦] وفي قوله تعالى :﴿أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه﴾ [القيامة : ٣] ثم أتبع ذلك بذكر أحوال الخلائق في ذلك اليوم ﴿ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر﴾ [القيامة : ١٣] انتهى.