ولما كان عريقاً في التلبس بهذا الوصف، أنتج له الاستهزاء بهذا الخطب الأعظم فترجم ذلك بقوله :﴿يسئل﴾ أي سؤال استهزاء واستبعاد، ويوضع موضع مفعول يسأل جملة اسمية من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر فقال :﴿أيان﴾ أي أيّ وقت يكون ﴿يوم القيامة *﴾ ولما كان الجواب : يوم يكون كذا وكذا، عدل عنه إلى ما سبب عن استبعاده لأنه أهول، فقال دالاً على خراب العالم لتجرد الإنسان عن مسكنه وما ألفه من أحواله فلا يطرف من هول ما يرى - هذا على قراءة نافع بالفتح، وهي إشارة إلى مبدأ حاله، وقراءة الجماعة بالكسر مشيرة إلى مآله فإن معناها : تحير ودهش وغلب، من برق الرجل - إذا نظر إلى البرق فحسر بصره وتفرق تفرق الشيء في المايع إذا انفتح عنه وعاؤه بدليل قراءة بلق من بلق الباب - إذا انفتح، وبلق الباب كنصر : فتحه كله، أو شديداً كأبلقه فانبلق، وبلق كفرح : تحير - قاله في القاموس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٢
ولما كانت آيات السماوات أخوف، ذكرها بادئاً بما طبعه البرد، إشارة إلى شدة الحر والتوهج والأخذ بالأنفاس الموجب لشدة اليأس فقال :﴿وخسف القمر﴾ أي وجد خسفه بأن خسفه الله تعالى أذهب صورته كما تذهب صورة الأرض المخسوفة، وذلك بإذهاب ضوئه نم غير سبب لزوال ربط المسببات في ذلك اليوم بالأسباب وظهور
٢٤٥
الخوارق بدليل قوله :﴿وجمع﴾ أي جمعاً هو في غاية الإحكام ولاشدة كما أفهمه التذكير وعلى أيسر الوجوه وأسهلها ﴿الشمس﴾ أي آية النهار ﴿والقمر *﴾ مع عدم إنارته وإن كان نوره الآن من نورها فذهب الانتفاع بهما وهما مع ذهاب النور وتفرق البصر مدركان لوجود الكشف التام عن الخفيات كما قال تعالى :﴿فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد﴾ [ق : ٢٢] وبعد جمعها يلقيان في النار كأنهما ثوران عقيران، وبني الفعل للمفعول لأن المهول مطلق جمعها المخرج لهما عن العادة وللدلاة على السهولة.


الصفحة التالية
Icon