المنكئ إنما هو كشف الأسرار لا كونه من كاشف معين، وللدلالة على يسر ذلك عليه سبحانه وتعالى بأن من ندبه إلى ذلك فعله كائناً من كان :﴿ينبؤا﴾ أي يخبر تخبيراً عظيماً مستقصىً ﴿الإنسان يومئذ﴾ أي إذ كان هذا الزلزال الأكبر ﴿بما قدم﴾ أي من عمله العظيم ﴿وأخر *﴾ أي في أول عمره وآخره - كناية عن الاستقصاء أو بما قدمه فآثره على غيره هل هو الشرع أو الهوى أو بماعمل في مدة عمره وبما أخر عمله لمعاجلة الموت له عنه فيخبر بما كان يعمله منأمله لو مد في أجله، أو الذي قدمه هو ما عمله بنفسه وما أخره هو ما سنه فعمل به الناس من بعده من خير أو شر - قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه مشى الغزالي في الباب الثالث من كتاب البيع من الإحياء.
ولما عظم القيامة بكشف الأسرار فيها والإنباء بها، وكان الشأن أن الإنسان لا ينبأ إلا بما هو جاهل له أو غائب عنه، وكان مما يخف على الإنسان في الدنيا النسيان، وكان ذلك اليوم يوم كشف الغطاء، زاده عظماً بالإعلام بأنه يجلو بصيرة الإنسان حتى يصير مستحضراً لجميع ما له من شأن، فكان التقدير : وليس جاهلاً بشيء من ذلك ولا محتاجاً إلى الإنباء به، قال بانياً عليه :﴿بل الإنسان﴾ أي كل واحد من هذا النوع ﴿على نفسه﴾ خاصة ﴿بصيرة *﴾ أي حجة بينة على أعماله، فالهاء للمبالغة - يعني أنه في غاية المعرفة لأحوال نفسه فإنه إذا تأمل وأنعم النظر ولم يقف مع الحظوظ عرف جيد فعله من رديئه، أما في الدنيا فلان الفطر الأولى شاهدة بالخير والشر - كما أشار إليه ﷺ بقوله :"البر ام سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في الصدر وترددت فيه النفس وإن أفتاك الناس وأفتوك" رواه الإمام أحمد عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه وقوله ﷺ :"إنما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت"
٢٤٧


الصفحة التالية
Icon