ولما لم يكن لهذا التحريك فائدة مع حفظ الله له على كل حال إلا قصد الطاعة بالعجلة، وكانت العجلة هي الإتيان بالشيء قبل أوانه الأليق به، وإن كان النبي ﷺ مثاباً على ذلك أعظم الثواب لأنه لا حامل له عليه إلا حب الله وحب ما يأتي منه، وجعلها الله سبحانه وتعالى علة وإن لم تكن مقصودة فقال :﴿لتعجل به﴾ أي بحمله وأخذه قبل أن يفرغ من إلقاءه إليك رسولنا جبريل عليه الصلاة والسلام مخافة أن ينفلت منك، لأن هذه العجلة وإن كانت من الكمالات بالنسبة إليك و إلى إخوانك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال موسى عليه الصلاة والسلام :﴿وعجلت إليك رب لترضى﴾ [طه : ٨٤] لأنها من النفس اللوامة التي تلوم على ترك المبادرة إلى أفعال الخير فغيرها من أفعال المطمئنة أكمل منها، فنقل ﷺ من مقام كامل إلى أكمل منه، وكان هذا الكلام المتعلق بالقرآن والذي بعده فرقاناً بين صفتي اللوامة في الخير واللوامة في الشر، والآية ناظرة إلى قوله تعالى في المدثر حكاية " إن هذا إلا قول البشر " وما بينهما اعتراض في وصف حال القيامة جر إليه قوله تعالى :﴿سأصليه سقر﴾ [المدثر : ٢٦] أي أن الذي خيل به المتقول في القرآن أمران : أحدهما أنه سحر والآخر أنه قول البشر، والعلم اليقين حاصل بانتفاء الأول، وأما الثاني فكان النبي ﷺ يخشى أن لا يتقن حفظه فتدخل عليه كلمة مثلاً فيكون من قول البشر فنهاه الله تعالى عن العجلة وضمن له الحفظ، ثم
٢٤٩
علل هذا النهي بقوله مؤكداً لأنه من معجزاته :﴿إن علينا﴾ أي بما لنا من العظمة، لا على أحد سوانا ﴿جمعه﴾ أي في صدرك حتى نثبته ونحفظه ﴿وقرآنه *﴾ أي إطلاق لسانك به وإثباته في رتبته من الكتاب حال كونه مجموعاً أتم جمع ميسراً حسن تيسير فأرح نفسك مما تعالج في أمره من المشقة وتكابده من العناء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٦