جزء من العدة لأنها إذا ثبتت في آخرها البعيد من الطلاق كان ما قبله أولى لأنه أقرب إلى الطلاق فقال :﴿فإذا بلغن﴾ أي المطلقات ﴿أجلهن﴾ أي شارفن انقضاء العدة مشارفة عظيمة ﴿فأمسكوهن﴾ أي بالمراجعة، وهذا يدل على أن الأولى من الطلاق ما دون البائن لا سيما الثلاث.
ولما كان الإنسان لما له من النقصان لا يقدر على كمال الإحسان قال منكراً :﴿بمعروف﴾ أي حسن عشرة لا بقصد المضارة بطلاق آخر لأجل إيجاب عدة أخرى ولا غير ذلك ﴿أو فارقوهن﴾ أي بعدم المراجعة لتتم العدة فتملك نفسها ﴿بمعروف﴾ بإيفاء الحق مع حسن الكلام وكل أمر عرفه الشرع - أي حسنه - فلا يقصد أذاها بتفريقها من ولدها مثلاً أو منه إن كانت محبة له مثلاً بقصد الأذى فقط من غير مصلحة وكذا ما أشبه ذلك من أنواع الضرر بالفعل أو القول، فقد تضمنت الآية بإفصاحها الحث على فعل الخيرات وبإبهامها اجتناب المنكرات.
ولما كان كل من المرافقة والمفارقة أمراً عظيماً، تبنى عليه أحكام فتحرم أضدادها، فيكون الخلاف فيها في غاية الخطر، وكان الإشهاد أليق بالمراد، وأقطع للنزاع، قال تعالى حاثاً على الكيس واليقظة والبعد عن أفعال المغفلين العجزة :﴿وأشهدوا﴾ أي على المراجعة أو المفارقة ﴿ذوي عدل﴾ أي مكلفين حرين ثقتين يقظين ﴿منكم﴾ أي مسلمين وهو أمر إرشاد مندوب إليه، وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه وجوبه في الجرعية والصحيح الأول، ومن فوائده أن لا يموت أحدهما فيدعي الآخر الزوجية ببقاء علقة العدة ليرث.
ولما كان أداء الشهادة يعسر على الشاهد لترك مهماته وعسر لقاء الحكم الذي يؤدي عنده، وربما بعد مكانه، وكان للعدل في الأداء عوائق أيضاً، وكان الشهود من المأمورين بالإشهاد، حث على الأداء على وجه العدل بقوله :﴿وأقيموا﴾ أي أيها المأمورون حيث كنتم شهوداً ﴿الشهادة﴾ أي التي تحملتموها بأدائها على أكمل أحوالها كما يفعل من يريد إقامة شيء ليصير واقفاً بنفسه غير محتاج إلى ما يدعمه.