ولما نفى عنه أفعال الخير، أثبت له أفعال الشر فقال :﴿ولكن﴾ أي فعل ضد التصديق بأن ﴿كذب﴾ أي بما أتاه من الله ﴿وتولى *﴾ أي وفعل ضد الصلاة التي هي صلة بين المخلوق والخالق، فاجتهد في خلاف ما تدعوه إليه فطرته الأولى المستقيمة من الإعراض عن الطاعة من الصلاة وغيرها حتى صار له ذلك ديدناً، فصارت الطاعة لا تخطر له بعد ذلك على بال لموت الفطرة الأولى وحياة النفس الأمارة بالسوء، وليس هذا بتكرار لأنه لا يلزم من عدم التصديق التكذيب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٣
ولما كان الإصرار على هذا عظيماً يبعد كل البعد أن يعمله أحد فكيف بالافتخار به والتكبر لأجله، أشار إليه بأداة البعد، فقال مؤذناً بأن الحال على التكذيب الكبر، والحامل على الكبر الترف، وسبب ذلك الانقياد أولاً مع الطبع في إفساد القوتين : العملية والعلمية حتى نشأ عنهما هذا الخلق السيىء، وهو عدم المبالاة، ولم يزل به ذلك حتى صار ملكة يفتخر به ﴿ثم ذهب﴾ أي هذا الإنسان بعد توليه عن الحق ﴿إلى أهله﴾ غير مفكر في عاقبة ما فعل من التكذيب حال كونه ﴿يتمطّى *﴾ أي يفتخر افتخاراً بتكذيبه وإعراضه وعدم مبالاته بذلك، من المط، أبدل الحرف الثاني ألفاً تخفيفاً فصار من المطي وهو الظهر كأنه يساعده على مد الخطى، أو أن المتبختر إذا مشى لوى ظهره، وإنما فعل هذا لمرونه على المعصية بدل الاستحياء والخجل والانكسار.
ولما كان هذا غاية الفجور، وكان أهل الإنسان يحبونه إذا أقبل إليهم لا سيما إذا
٢٥٥


الصفحة التالية
Icon