ولما كان هذ فعل من أعرض عن الله أصلاً فلم يخطر شيئاً من عظمته على باله، فكان ظاناً أنه مهمل لا مالك له وأنه هو السيد لا عبودية عليه، فلا يؤمر ولا ينهى ولا يعمل إلا بمقتضى شهواته، قال منكراً ليه معبراً بالحسبان الذي الحامل عليه نقص العقل :﴿أيحسب﴾ أي أيجوز لقلة علقه ﴿الإنسان﴾ أي الذي هو عبد مربوب ضعيف عاجز محتاج بما يرى في نفسه وأبناء جنسه.
ولما كان الحامل على الجراءة مطلق الترك هملاً، لا كون الترك من معين، قال بانياً للمفعول :﴿أن يترك﴾ أي يكون تركه بالكلية ﴿سدى *﴾ أي مهملاً لاعباً لاهياً لا يكلف ولا يجازى ولا يعرض على الملك الأعظم الذي خلقه فيسأله عن شكره فيما
٢٥٦
أسدى إليه، فإن ذلك منافٍ للحكمة، فإنها تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن المساوئ والجزاء على كل منهما، وأكثر الظالمين والمظلومين يموتون من غير جزاء، فاقتضت الحكمة ولا بد البعث للجزاء.