وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : قوله تعالى :﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ [الإنسان : ١] تعريف الإنسان بحاله وابتداء أمره ليعلم أن لا طريق له للكبر واعتقاد السيادة لنفسه، وأن لا يغلطه ما اكتنفه من الألطاف الربانية والاعتناء الإلهي والتكرمة فيعتقد أنه يستوجب ذلك ويستحقه ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ [النحل : ٥٣] ولما تقدم في القيامة إخباره تعالى عن حال منكري البعث عناداً واستكباراً وتعامياً عن النظر والاعتبار ﴿أيحسب الإنسان إن لن نجمع عظامه﴾ [القيامة : ٣] وقوله بعد ﴿فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى﴾ [القيامة : ٣١ - ٣٣] أي يتخبتر عنواً واستكباراً ومرحاً وتجبراً، وتعريفه بحاله التي لو فكر فيها لما كان منه ما وصف، وذلك قوله ﴿ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى﴾ [القيامة : ٣٧ - ٣٨] أتبع ذلك بما هو أعرق في التوبيخ وأوغل في التعريف وهو أنه قد كان لا شيء فلا نطفة ولا علقة، ثم أنعم الله عليه بنعمة الإيجاد ونقله تعالى من طور إلى طور فجعله نطفة من ماء مهين في قرار مكين ثم كان علقة ثم مضغة إلى إخراجه وتسويته خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، فمن اعتبر اتصافه بالعدم ثم تقلبه في هذه الأطوار المستنكف حاله والواضح فناؤها واضمحلالها، وأمده
٢٦٠
الله تعالى بتوفيقه عرف حرمان من وصف في قوله :" ثم ذهب إلى أهله يتمطى " فسبحان الله ما أعظم حلمه وكرمه ورفقه، ثم بين تعالى ما جعله للإنسان من السمع والبصر ابتلاء له، ومن أدركه أدركه الغلط وارتكب الشطط - انتهى.


الصفحة التالية
Icon