وشدتها وجعلها عماد البدن وقوامه وقدرها بمقادير وأشكال مختلفة، فمنها صغير وكبير، وطويل وقصير، وعريض ومستدير، ومجوف ومصمت، ودقيق وثخين، ولم يجعلها عظماً واحداً لأن الإنسان محتاج إلى الحركة بجملة بدنه وببعض أعضائه ثم جعل بين تلك العظام مفاصل ثم وصلها بأوتار أنبتها من أحد طرفي العظم وألصقها بالطرف الآخرة بالرباط له ثم خلق في أحد طرفي العظم زوائد خارجة، وفي الآخر حفراً موافقة لشكر الزوائد لتدخل فيها، وخلق الرأس مع كريته من خمسة وخمسين عظماً مختلفة الأشكال وألف بعضها مع بعض، فجعل في القحف ستة وفي اللحى الأعلى أربعة عشر، واثنان للأسفل، والباقي في الأسنان، وجعل الرقبة مركباً للرأس وركبها من سبع خرزات فيها تجويفات وزيادات ونقصانات لينطبق بعضها على بعض، وركب الظهر من أربع وعشرين خرزة وعظم العجز من ثلاثة أجزاء، وجعل من أسفله عظم العصعص أو اللفة من ثلاثة أجزاء مختلفة، ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر وعظام الكتف وغيرها حتى بلغ مجموع عظام بدن الإنسان مائتي عظم وثمانية وأربعين عظماً سوى العظام التي حشا بها خلل المفاصل، وخلق سبحانه آلات التحريك للعظام وهي العضلات وهي خمسمائة وسبع وعشرون عضلة كل منها على قدر مخصوص ووضع مخصوص لو تغير عن ذلك أدنى تغير لاختلت مصالح البدن، وكذا الأعصاب والأوردة والشرايين، ثم انظر كيف خلق الظهر أساساً للبدن، والبطن حاوياً لآلات الغذاء والرأس مجمعاً للحواس، ففتح العين ورتب طبقاتها وأحسن شكلها ولونها وأحكمها بحيث ينطبع في مقدار عدسة منها صورة السماوات على عظمها، وحماها بالأجفان لتسترها وتحفظها، ثم أودع الأذنين ماء مراً يدفع عنها الهوام وحاطهما بصدفين لجمع الصوت ورده إلى الصماخ وليحس بدبيب الهوام وجعل فيها تعرجياً لتطويل الطريق فلا تصل الهوام إلى جرم الصماخ سريعاً، ثم رفع الأنف في الوجه وأودع فيه حاسة الشم للاستدلال بالروائح على الأطعمة والأغذية ولاستنشاق الروائح