ولما كانت العبادة لا تكون إلا بالإعانة، وكان التقدير : فمن اتعظ بذلك كان اتعاظه شاهداً له بإيمانه بذلك، وكان متقياً، عطف عليه قوله اعتراضاً بين هذه الأحكام تأكياً للترغيب في الإعانة المترتبة على التقوى :﴿ومن يتق الله﴾ أي يخف الملك الأعظم فيجعل بينه وبين ما يسخطه وقاية مما يرضيه، وهو اجتلاب ما أمر به واجتناب ما هنى عنه من الطلاق وغيره ظاهراً وباطناً، وذلك صلاح قوي العلم بالإيمان والعمل بفعل المأمور به وترك المهي عنه لأنه تقدم أن التقوى إذا انفردت في القرآن عن مقارن عمت الأمر والنهي، وإذا قرنت بغيرها نحو إحسان أو رضوان خصت المناهي :﴿يجعل﴾ أي الله سبحانه بسبب التقوى ﴿له مخرجاً *﴾ بدفع المضار من كل ضيق أحاط به في نظير ما اجتنب من المناهي ﴿ويرزقه﴾ بحوله وقوته بجلب المسار في الدين والدنيا والآخرة في نظير ما اجتلب من فعل الأوامر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧
ولما كان أحلى الهبات ما جاء من مكان لا يرجى قال :﴿من حيث لا يحتسب﴾ أي لا يقوى رجاؤه له، ولما أكد في هذا وأعظم الوعد لأنه وإن كان عاماً لكل متق فتعلقه بما تقدم أقوى والنظر فيما تقدم إلى حقوق العباد أكثر، والمضايقة فيها أشد، والدواعي إليها أبلغ، فالاتقاء فيه بعدم الطلاق في الحيض والإضرار بالمرأة بتطويل العدة أو الإخراج من المسكن وكتمان الشهادة والعسر في أدائها والإخلال بشيء منها والتأكيد والإبلاغ في الوعد لأجل ما جبل عليه الإنسان من القلق في أموره، عطف على
٢٩


الصفحة التالية
Icon