ولما كان كأنه قيل : هبه خلق هكذا فكان ماذا ؟ قال شفاء لعيّ هذا السؤال وبياناً لنعمة الإمداد :﴿إنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿هديناه﴾ أي بينا له لأجل الاتبلاء ﴿السبيل﴾ أي الطريق الواضح الذي لا طيق في الحقيقة غيره، وهو طريق الخير الذي من حاد عنه ضل، وذلك بما أنزل من الكتب وأرسلنا من الرسل ونصبنا من الدلائل في
٢٦٤
الأنفس والآفاق، وجعلنا له من البصيرة التي يميز بها بين الصادق والكاذب وكلام الخلق وكلام الخالق والحق والبطال وما أشبهه.
ولما كان الإنسان عند البيان قد كان منه قسمان، وكان السياق لبيان تعظيمه بأنه خلاصة الكون والمقصود من الخلق، قال بانياً حالاً من ضميره في " هديناه " مقسماً له مقدماً القسم الذي أتم عليه بالبيان نعمة الهداية بخلق الإيمان، لأن ذلك أنسب بذكر تشريفه للإنسان، بجعله خلاصة الوجود وبقوله :"إن رحمتي سبقت غضبي" في سياق ابتداء الخلق، معبراً باسم الفاعل الخالي من المبالغة، لأنه لا يقدر أحد أن يشكر جميع النعم، فلا يسمى شكوراً إلا بتفضل من ربه عليه :﴿إما شاكراً﴾ أي لإنعامه ربه عليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٥٩