ولما دل وفاؤهم على سلامة طباعهم، قال عاطفاً دلالة على جمعهم للأمرين المتعاطفين فهم يفعلون الوفاء لا لأجل الخوف بل لكرم الطبع :﴿ويخافون﴾ أي مع فعلهم للواجبات ﴿يوماً كان﴾ أي كوناً هو في جبلته ﴿شره﴾ أي ما فيه من الشدائد ﴿مستطيراً *﴾ أي موجود الطيران وجوداً كأنه بغاية الرغبة فيه فهو في غاية الانتشار، والخوف أدل دليل على عمارة الباطن، قالوا : وما فارق الخوف قلباً إلا خرب، من خاف أدلج، ومن ادلج المنزل، فالخوف لاجتناب الشر ولاوفاء لاجتلاب الخير.
ولما كان من خاف شيئاً سعى في الأمن منه بكل ما عساه ينفع فيه، وكان قد ذكر تذرعهم بالواجب، أتبعه المندوب دلالة على أنهم لا ركون لهم إلى الدنيا ولا وثوق بها، فقد جمعوا إلى كرم الطبع بالوفاء ورقة القلب شرف النفس بالانسلاخ من الفاني فقال :﴿ويطعمون الطعام﴾ أي على حسب ما يتيسر لهم نم عال ودون على الدوام.
ولما كان الإنسان قد يسمع بما لا يلذ له قال :﴿على حبه﴾ أي حبه إياه حباً هو في غاية المكنة منهم والاستعلاء على قلوبهم لقلته وشهوتهم له وحاجتهم إليه كما قال تعالى :﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾ [آل عمران : ٩٢] ليفهم أنهم للفضل أشد بذلاً، ولهذا قال ﷺ :"لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم أي الصحابة رضي الله عنهم - ولا نصيفه" لقلة الموجود إذ ذاك وكثرته بعد ﴿مسكيناً﴾ أي محتاجاً احتياجاً يسيراً، فصاحب الاحتياج الكثير أولى ﴿ويتيماً﴾ أي صغيراً لا أب له ذكراً كان أو أنثى ﴿وأسيراً *﴾ أي في أيدي الكفار أي أعم من ذلك، فيدخل فيه المملوك والمسجون والكفار الذي في أيدي المسلمين، وقد نقل في غزوة بدر أن بعض
٢٦٧


الصفحة التالية
Icon