ولما كانت ترجمة هذا كما مضى : جنة ظليلة ومعتدلة، عطف عليه بالواو دلالة على تمكن هذا الوصف وعلى اجتماعه مع ما قبله قوله :﴿ودانية﴾ أي قريبة من الارتفاع ﴿عليهم ظلالها﴾ من غير أن يحصل منها ما يزيل الاعتدال ﴿وذللت قطوفها﴾ جمع قطف بالكسر وهو العنقود واسم للثمار المقطوفة أي المجنية ﴿تذليلاً *﴾ أي سهل تناولها تسيهلاً عظيماً لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك لكل من يريد أخذها على أي حالة كان من اتكاء وغيره، فإن كانوا قعوداً تدلت إليهم، وإن كانوا قياماً وكانت على الأرض ارتقت إليهم، وهذا جواء لهم على ما كانوا يذللون أنفسهم لأمر الله.
ولما كان الدوران بالآنية متجدداً، عبر فيه بالمضارع، وبناه للمفعول أيضاً لأنه المقصود مطلقاً منغير تعيين طائفة فقال :﴿ويطاف﴾ أي من أيّ طائف كان لكثرة الخدم ﴿عليهم بآنية﴾ جمع إناء جزاء على طوافهم على المحتاجين بما يصلحهم.
ولما كان مقصود هذه السورة ترهيب الإنسان الموبخ في سورة القيامة من الكفر، وكان الإنسان أدنى أسنان المخاطبين في مراتب الخطاب، اقتصر في الترغيب في شرف الآنية على الفضة دون الذهب المذكور في فاطر والحد المعبر فيهما بالناس، فلعل هذا لصنف وذاك لصنف - أعلى منه مع إمكان الجمع والمعاقبة، وأما من هو أعلى من هذين الصنفين من الذين آمنوا ومن فوقهم فلهم فوق هذين الجوهرين من الجواهر ما لا عين
٢٧٠
رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فقال :﴿من فضة﴾ أي اسمه ذلك، وأما الحقيقة فأين الثريا من يد المتناول.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٦٩


الصفحة التالية
Icon