أولني مما أولاك الله فقال : أتقرأ القرأن ؟ قال : لا، قال : إنا لا نولي من لا يقرأ القرآن، فانصرف الرجل واجتهد حتى تعلم القرآن رجاء أن يعود إلى عمر فيوليه، فلما تعلم القرآن تخلف عن عمر فرآه ذات يوم فقال : يا هذا! أهجرتنا، فقال : يا أمير المؤمنين! لست ممن يهجر ؟ ولكني تعلمت القرآن فأغناني الله عن عمر وعن باب عمر، قال : أي آية أغنتك ؟ قال : تعالى :﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويزرقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق : ٢ و٣] انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧
ومن توكل على غيره سبحانه وتعالى ضاع لأنه لا يعلم المصالح وإن علمها لم يعلم أين هي، وإن علم لم يعلم متى يتسعملها وإن علم لم يعلم كم المقدار المستعمل، وإن علم لم يعلم كيف يستعملها وهو سبحانه المنفرد بعلم ذلك كله وما لا يعلمه حق علمه غيره، والآية تفهم أن من لم يتق الله يقتر عليه، وهو موافق لما روى ابن حبان في صحيحه والحاكم واللفظ له - وقال : صحيح الإسناد - عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :"لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" وتفهم أن من لم يتوكل لم يكف شيئاً من الأشياء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧
ولما وسط بين العدد هذه الجمل الواعظة دلالة على عظمتها حثاً على امتثالها والمبادرة إليها، وختم بالتقدير، أتبع ذلك بيان مقادير العدد على وجه أبان أن الكلام الماضي كان في الحوائض الرجعيات فقال :﴿واللائي يئسن﴾ أي من المطلقات ﴿من المحيض﴾ أي الحيض وزمانه لوصولها إلى سن يجاوز القدر الذي ترجو فيه النساء الحيض فصارت بحيث لا ترجوه، وذلك السن خمس وخمسون سنة أو تسون سنة، وقيل : سبعون وهن القواعد، وأما من انقطع حيضها في زمن ترجوا فيه الحيض فإنها تنتظر سن اليأس.
٣١


الصفحة التالية
Icon