لما لهم من الإنكار ولتطمئن أنفس أتباعه بما حث عليهم من الصبر إلى وقت الإذن في القتال :﴿إنا نحن﴾ أي على ما لنا من العظمة التي لا نهاية لها، لا غيرها ﴿نزلنا عليك﴾ وأنت أعظم الخلق إنزالاً استعلى حتى صار المنزل خلقاً لك ﴿القرآن﴾ أي الجامع لكل هدى، الحافظ من الزيغ، كما يحفظ الطب للصحيح صحة المزاج، الشافي لما عساه يحصل من الأدواء بما يهدي إليه من العلم والعمل، وزاد في التأكيد لعظيم إنكارهم فقال :﴿تنزيلاً *﴾ أي على التدريج بالحكمة جواباً للسائل ورفقاً بالعباد فدرجهم في وظائف الدين تدريجاً موافقاً للحكمة، ولم يدع لهم شبهة إلا أجاب عنها، وعلمهم جميع الأحكام التي فيها رضانا، وأتاهم من المواعظ والآداب والمعارف بما ملأ الخافقين وخصصناك به شكراً على سيرتك الحسنى التي كانت قبل النبوة، وتجنبك كل ما يدنس، فلما كان بتنزيلنا كان جامعاً للهدى لما لنا من إحاطة العلم والقدرة، فلا ناظرة إلى قوله في القيامة ﴿لا تحرك به لسانك﴾ [القيامة : ١٦] الملتفتة إلى ما في المدثر من أن هذه تذكرة، الناظرة إلى ﴿أنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾ المشيرة إلى ما في سورة الجن من أمر القرآن، فالحاصل أن أكثر القرآن في تقرير عظمة القرآن، فإنه المقصود بالذات من أمر الآية الكبرى التي إذا ثبتت تبعها جميع المراد من الشريعة وتفريق تقرير شأنه أتقن ما يكون في إحكام أمره، وذلك أن الحكيم إذا اهتم بشيء افتتح الكلام به، فإذا رأى من ينكره انتقل إلى غيره على قانون الحكمة، ثم يصير يرمي به في خلال ذلك، رمياً كأنه غير قاصد له، ولا يزال يفعل ذلك حتى يتقرر أمره غاية التقرير ويثبت في النفس من حيث لا يشعر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧٤


الصفحة التالية
Icon