ولما كان هذا دليل عظيماً على القدرة على البعث مخزياً لهم، قال مؤكداً لإنكارهم عناداً :﴿إن هذه﴾ أي الفعلة البدائية، أو المواعظ التي ذكرناها في هذه السورة وفي جميع القرآن ﴿تذكرة﴾ أي موضع ذكر عظيم للقدرة على البعث وتذكر عظيم لما فعلت في الإنشاء أولاً، وموعظة عظيمة فإن في تصفحها تنبيهات عظيمة للغافلين، وفي تدبرها وتذكرها فوائد جمة للطالبين السالكين ممن ألقى سمعه وأحضر نفسه، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه، فمن أقل هذا الإقبال علم أنا آتيناه من الآلات والدلائل ما إن سلك معه مجتهداً وصل دون ضلال ولذلك سبب عن كونها تذكرة قوله من خطاب البسط :﴿فمن شاء﴾ أي أن يجتهد في وصوله إلى الله سحبانه وتعالى ﴿اتخذ﴾ أي أخذ بجهده من مجاهدة نفسه ومغالبة هواه ﴿سبيلاً *﴾ أي طريقاً واسعاً واضحاً سهلاً بأفعال الطاعة التي أمر بها لأنا بينا الأمور غاية البيان وكشفنا اللبس وأزلنا جميع موانع أنفسهم عمن شئنا وركزنا ذلك في الطباع، ولم يبق مانع من استطراق أصلاً غير مشيئتنا، والفطرة الأولى أعدل شاهد بهذا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٧٧
ولما أثبت لهم المشيئة التي هي مناط التكليف، وهي الكسب، وكان ربما ظن ظان أو ادعى مدع في خلق الأفعال كما قال أهل الاعتزال، قال نافياً عنهم الاستقلال، لافتاً القول إلى خاطبهم، وهو مع كونه خطاب قبض استعطافاً بهم إلى التذكر في قراءة الجماعة وبالغيب على الأسلوب الماضي في قراءة ابن كثير وابن عامر :﴿وما تشاؤون﴾
٢٧٨


الصفحة التالية
Icon