سورة المرسلات
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٠
لما ختمت سورة الإنسان بالوعد لأوليائه والوعيد لأعدائه، وكان الكفار يكذبون بذلك، افتتح هذه بالإقسام على أن ذلك كائن فقال :﴿والمرسلات﴾ أي من الرياح والملائكة ﴿عرفاً *﴾ أي لأجل إلقاء المعروف من القرآن والسنة وغير ذلك من الإحسان، ومن إلقاء الروح والبركة وتيسير الأمور في الأقوات وغيرها، أو حال كونها متتابعة متكاثرة بعضها في أثر بعض، من قول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد - إذا توجهوا إليه فأكثروا، ويقال : جاؤوا عرفاً واحداً، وهم عليه كعرف الضبع - إذا تألبوا عليه.
٢٨١
ولما كان العصوف للعواصف يتعقب الهبوب، عطف بالفاء تعقيباً وتسبيباً فقال :﴿فالعاصفات﴾ أي الشديدات من الرياح عقب هبوبها ومن الملائكة عقب شقها للهواء بما لها من كبر الأجسام والقوة على الإسراع التام ﴿عصفاً *﴾ أي عظيماً بما لها من النتائج الصالحة.
ولما كان نشر الرياح للسحاب متراخياً عن هبوبها ومتباطئاً في الثوران وكذا نشر الملائكة لأجنحتها كما يفعل الطائر القوي في طيرانه، عطف بالواو الصالحة للمعية والتعقب بمهلة وغيرها قوله :﴿والناشرات﴾ أي للساحب والأجنحة على وجه اللين في الجو وللشرائع التي تنشر العدل بين الناس ﴿نشراً *﴾ وإذا راجعت أول الذاريات ازددت في هذا بصيرة.
ولما كان السحاب يجتمع بعد الثوران من مجال البخارات ويتكاثف ثم يحمل الماء، وكان ذلك - مع كونه معروفاً - قد تقدم في الذاريات والروم وغيرهما ثم بعد الحمل تضغط السحاب حتى يتحامل بعضه على بعض فتنفرق هناك فُرَج يخرج منها، طوى ذلك وذكر هذا فقال بالفاء الفصيحة :﴿فالفارقات فرقاً *﴾ أي للسحاب حتى يخرج الودق من خلاله وللأجنحة وبين لاحق والباطل والحب والنوى - وغير ذلك من الأشياء.
ولما كانت السحاب عقب الفرق ينزل منها ما في ذلك السحاب من ماء أو ثلج أو برد أو صواعق أو غير ذلك مما يريده الله مما يبعث على ذلك الله ولا بد والملائكة تلقي ما معها من الروح المحيي للقلوب، قال معبراً بفاء التعقيب والتسبيب :﴿فالملقيات ذكراً *﴾ أطلق عليه الذكر لأنه سببه إن كان محمول السحاب أو محمول الملائكة، وقد يكون محمول الملائكة ذكر الله حقيقة، ولا يخفى أنهما سبب لإصلاح الدين والدنيا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨١


الصفحة التالية
Icon