ولما كانوا أقل من أن يجيبوا عن هذا وأحقر من أن يمهلوا للكلام، قال مترجماً لحالهم بعد هذا الكلام منبهاً على أنهم لو عقلوا بكوا على أنفسهم الآن لأنه لا حيلة إذ ذاك :﴿ويل يومئذ﴾ أي إذ يقال لهم هذا الكلام فيكون زيادة في عذابه ﴿للمكذبين *﴾ أي الراسخين في التكذيب بأن السماء تفرج كما كانوا يكذبون بأنه يفصل بينهم بعد الموت.
ولما كان الواقع بعد الفصل قرار كل في داره، وكان قد بدأ بالمكذبين لأن التحذير في السورة أعظم ففصلهم عن المصدقين فقال : انطلقوا - إلى آخره، ثنى بأضدادهم الفريق الناجي المشار إليه في آخر الإنسان بقوله تعالى :﴿يدخل من يشاء في رحمته﴾ [الإنسان : ٣١] فقال مؤكداً لأجل تكذيب الكفار بتلك الدار وبأن يكون المؤمنون أسعد منهم :﴿إن المتقين﴾ أي الذين كانوا يجعلون بينهم وبين كل ما يغضب الله وقاية مما يرضيه لعراقتهم في هذا الوصف يوم القيامة ﴿في ظلال﴾ هي في الحقيقة الظلال لا كما تقدم من ظل الدخان، ولا يشبهها أعلى ظل في الدنيا ولا أحسنه إلا بالاسم، ودل على أنها على حقيقتها بقوله :﴿وعيون *﴾ لأنها تكون عنها الرياضوالأشجار الكبار كما دل على أن ذلك الظل المتشعب للتهكم بما ذكر بعده من أوصاف النار، فهذه العيون تبرد الباطن وتنبت الأشجار المظلة كما أن اللهب يحرّ الظاهر والباطن ويهلك ما قرب منه من شجرة وغيره فلا يبقى ولا يذر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
ولما ذكر العيون، أتبعها ما ينشأ عنها فقال دالاً على أن عيشهم كله لذة :﴿وفواكه﴾ ولما كان يوجد في فواكه الدنيا الدون، قال دالاً على أن عيشهم كله لذة وأنه ليس هناك دون :﴿مما يشتهون *﴾ أي الرغبة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
ولما فهم من التعبير بـ " في " أنهم متمكنون من هذا جميعه تمكن المظروف من
٢٩٠


الصفحة التالية
Icon