ولما كان التقدير : فإنهم كانوا في دار العمل إذا قيل لهم آمنوا لا يؤمنوا، عطف عليه قوله :﴿وإذا قيل لهم﴾ أي لهؤلاء المجرمين من أي قائل كان ﴿اركعوا﴾ أي صلوا الصلاة التي فيها الركوع، وأطلقه عليها تسمية لها باسم جزء منها، وخص هذا الجزء لأنه يقال على الخضوع والطاعة، ولأنه خاص بصلاة المسلمين، ولأن بعض العرض نفر عن الدين من أجله، وقال : لا أجبي لأن فيه - زعم - إبرازاً للاست فيكون ذلك مسبة، وكذلك السجود، قال في القاموس : جبى تجبئة : وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض أو انكب على وجهه، والتجبئة أن تقوم قيام الركوع ﴿لا يركعون *﴾ أي لا يخضعون ولا يوجد الصلاة فلذلك كان وعيدهم، وفيه دلالة على أن الأمر للوجوب ليستحق تاركه العذاب وعلى أن الكفار مخاطبون بالفروع ﴿ويل يومئذ﴾ أي إذ يكون الفصل ﴿للمكذبين *﴾ أي بذلك الذي تقدم في هذه السورة أو بشيء منه أو بغيره مما جاءت به الرسل، وقد كررت هذه الجملة بعدد أجزاء طرف القسم أو أجزاء الجواب لتكون كل جملة منها وعيداً على التكذيب بواحد من تلك الأجزاء، وتكون هذه الجملة العاشرة مؤكدة لتلك التسع، وتكملة لعدها ومعناها، ومعلمة بأن الويل لهم دائماً من غير انقضاء كما أن الواحد لا انقضاء له.
ولما أعمل هذا أن لهم الويل دائماً، ذكر أن سببه عدم الإيمان بالقرآن وأن من لم يؤمن بالقرآن لم يؤمن بشيء أبداً، فقال مسبباً عن معنى الكلام :﴿فبأيّ حديث﴾ أي ذكر يتجدد نزوله على المرسل به في كل وقت تدعو إليه حاجة ﴿بعده﴾ أي بعد هذا القرآن الذي هو شاهد لنفسه عنه بصحة النسبة إلى الله تعالى من جهة ما حاز من البلاغة في تراكيبه بالنسبة إلى كل جملة وبالنسبة إلى نظم الجمل بعضها مع بعض، وبالإخبار بالمغيبات والحمل على المعالي والتنبيه على الحكم وغير ذلك من بحور العلم ورياض
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon