ولما كان كأنه قيل : فهل ينطقع ما هم فيه ؟ أجاب بقوله مهدداً حاذفاً متعلق العلم للتهويل لأجل ذهاب النفس كل مذهب :﴿سيعلمون *﴾ أي يصلون إلى حد يكون حالهم فيه في ترك العناد حال العالم بكل ما ينفعهم ويضرهم، وهذا عن قريب بوعد لا خلف فيه، ويكون لهم حينئذ عين اليقين الذي لا يستطاع دفاعه بعد علم اليقين الذي دافعوه، وعظم ربتة هذا الردع والتهديد والزجر والوعيد بقوله :﴿ثم كلا﴾ أي أن أمره في ظهوره رادع عن الاختلاف في أمره ﴿سيعلمون *﴾ أي بعد الموت بعد علمهم قبله ما يكون من أمره بوعد صادق لا شك فيه، ويصير حالهم إذا ذاك حال العالم في كفهم عن العناد، وهم بين ذلول وذليل وحقير وجليل، فأما من اخترناه منه للإيمان فيكون ذلولاً، ومن أردنا شقاءه بالكفران فتراه ناكساً ذليلاً، ويشترك الكل بالذوق في حق اليقين، وقد كان هذا كما قال الجليل بعد زمن قليل، عندما أوقعتهم أيام الله وأرغمت منهم الأنوف وأذلت الجباه، وقراءة ابن عامر على ما قيل عنه بتاء الخطاب في الوعيد وأدل على الاستعطاف للمتاب.
٢٩٦
ولما حقق لهم أمره تحقيق من هو على غاية الوثوق بما يقول، دل على ذلك بما لا يحتمل شكاً ولا وقفة أصلاً، فقال مقرراً لهم ومنكراً عليهم التساؤل بما ندب إليه من التأمل وقرر به من النظر في باهر آياته وغرائب مخلوقاته التي أبدعها من العدم دلالة تامة عظمية على كمال القدرة مع تمام الحكمة الموجب للقطع بكل ما نبهت عليه الرسل من الشرائع والبعث والجزاء بادئاً بما هم له أشد ملابسة وهو الظرف :﴿ألم نجعل﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿الأرض مهاداً *﴾ أي فراشاً لكم موطئاً مذللاً يمكن الاستقرار عليه لتتصرفوا فيها كما شئتم ﴿والجبال﴾ أي تعرفون شدتها وعظمتها وعجزكم عن أقل شيء من أمورها ﴿أوتاداً *﴾ تثبتها كما أن البيت لا يثبت إلا بأوتاده، قال الأفوه الأودي :
والبيت لا يبتنى إلا له عمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد


الصفحة التالية
Icon