ولما كانت مجالس الخمر في الدنيا ممتلئة بما ينغصها من اللغو والكذب إلا عند من لا مروءة له فلا ينغصه القبيح، قال نافياً عنها ما يكدر لذة السمع :﴿لا يسمعون فيها﴾ أي الجنة في وقت ما ﴿لغواً﴾ أي لغطاً يستحق أن يلغى لأنه ليس له معنىً أعم من أن يكون مهملاً ليس له معنى أصلاً، أو مستعملاً ليس له معنىً موجود في الخارج وإن قل، أو له معنى ولكنه لا يترتب به كبير فائدة.
ولما انتفى الكذب بهذه الطريقة، وكان التكذيب أذى للمكذب، نفاه بقوله :﴿ولا كذباً *﴾ فإن هذه الصيغة تقال على التكذيب ومطلق الكذب، فصار المعنى : ولا أدىً بمعارضة في القول، مع موافقة قراءة الكسائي بالتخفيف فإن معناها كذباً أو مكاذبة، وشدد في قراءة الجماعة لرشاقة اللفظ وموازنة " أعناباً وأتراباً " مع الإصابة لحلق المعنى من غير أدنى جور عن القصد ولا تكلف بوجه ما.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٣
ولما كان العطاء إذا كان على المعاوضة كان أطيب لنفس الآخذ قال :﴿جزاء﴾ وبين أنه ما جعله جزاء لهم إلا إكراماً للنبي ﷺ فإنه سبحانه لا يجب عليه لأحد شيء لأن أحداً لا يمكنه أن يوفي شكر نعمة من نعمه فإن عمله من نعمه فقال :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بإكرام أمتك بانواع الإكرام، وفي ﴿عطاء﴾ إشارة إلى ذلك وهو بذل من غير جزاء ﴿حساباً *﴾ أي على قدر الكفاية وإن فعل الإنسان منهم ما فعل وحسب جميع أناوع الحساب، ومن قولهم : أعطاه فأحسبه - إذا تابع عليه العطاء وأكثره حتى
٣٠٤
جاوز العد وقال : حسبي، لا يمكن أن يحتاج مع هذا العطاء وإن زاد في الإنفاق، واختير التعبير به دون " كافياً " مثلاً لأنه أوقع في النفس، فإنه يقال : إذا كان هذا الحساب فما الظن بالثواب.