يا ليتني قمت قبل هذا، عطف عليه قوله :﴿ويقول الكافر﴾ أي العريق في الكفر عندما يرى تلك الأهوال متمنياً محالاً :﴿يا ليتني كنت﴾ أي كوناً لا بد منه ولا يزول ﴿تراباً *﴾ أي في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف، أو في هذا اليوم فلم أعذب، والمراد به الجنس أو إبليس الذي تكبر عن السجود لآدم عليه السلام المخلوق من التراب، وعظم نفسه بالحمد والاتفخار بكونه مخلوقاً من نار، يقول ذلك عندما يرى ما أعد الله لآدم عليه السلام ولخواص بنيه من الكرامة من النعيم المقيم، ولهذا المتكبر على خالقه من العذاب الدائم الذي لا يزول، وعن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أن الله تعالى يقتص يوم البعث للبهائم بعضها من بعض ثم يقول لها : كوني تراباً، فتكون فيتمنى الكافر مثل ذلك.
فقد علم أن ذلك اليوم في غاية العظمة وأنه لا بد من كونه، فعلم أن التساؤل عنه للتعجب من كونه من أعظم الجهل، فرجع آخرها على أولها، وانعطف مفصلها أي انعطاف على موصلها، واتصل مع ذلك بما بعدها أي اتصال، فإن المشرف بالنزع على الموت يرى كثيراً من الأهوال والزلازل والأوجال التي يتمنى لأجلها أنه كان منقطعاً عن لدنيا ليس له بها وصال يوماً من الأيام ولا ليلة من الليال - والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
٣٠٧
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٤


الصفحة التالية
Icon