ولما ذكر البعث، ذكر حال المكذب به لأن السياق له، فقال مبتدئاً بنكرة موصوفة :﴿قلوب يومئذ﴾ أي إذ قام الخلائق بالصيحة التابعة للأولى ﴿واجفة *﴾ أي شديدة الاضطراب، وكان قد يخفى سببه لكونه قد يكون عند السرور العظيم كما قد يكون عند الوجل الشديد، أخبر عنه بما يحقق معناه فقال :﴿أبصارها﴾ أي أبصار أصحابها فهو من الاستخدام ﴿خاشعة *﴾ أي ذليلة ظاهر عليها الذل واضطراب القلوب من سوء الحال ولذلك أضافها إليها.
ولما وصفها بالاضطراب الذل، علله ليعرف منه أن من يقول ضد قولهم يكون له ضد وصفهم من الثبات والسكون والعز الظاهر فقال :﴿يقولون﴾ أي في الدنيا قولاً يجددونه كل وقت من غير خوف ولا استحياء استهزاءً وإنكاراً.
﴿إنا لمردودون﴾ أي بعد الموت ممن يتصف بردنا كائناً من كان ﴿في الحافرة *﴾ أي في الحياة التي كنا فيها قبل الموت هي حالتنا الأولى، من قولهم : رجع فلان في حافرته، أي طريقته التي جاء بها فحفرها أي أثر فيها بمشيه كما تؤثر الأقدام، والحوافر في الطرق، أطلق على المفعولة فاعلة مبالغة وذلك حقيقته، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم رجع إليه : رجع إلى حافرته، وقيل : الحافرة الأرض التي هي محل الحوافر.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٨
ولما وصف قلوبهم بهذا الإنكار الذي ينبغي لصاحبه أن يذوب منه خجلاً إذا فرط منه مرة واحدة، وأشار إلى شدة وقاحتهم بتكريره، أتبعه التصريح بتكريرهم له على وجه مشير إلى العلة الحاملة لهم على قوله وهو قولهم :﴿أإذا كنا﴾ أي كوناً صار جبلة لنا ﴿عظاماً نخرة *﴾ أي هي في غاية الانتخار حتى تفتتت، فكان الانتخار وهو البلى
٣١١
والتفتت والتمزق كأنه طبع لها طبعت عليه، وهي أصلب البدن فكيف بما عداها من الجسم، وعلى قراءة " ناخرة " المعنى أنها خلا ما فيه فصار الهواء ينخر فيها أي يصوّت.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٨