ولما كان سبحانه قد خلق للإنسان عقلاً واختياراً، ويسر أمر القرآن في الحفظ والفهم لمن أقبل عليه، سبب عن ذلك قوله :﴿فمن شاء﴾ أي ذكره بعد مشيئة الله تعالى كما تقدم تقييده في القرآن غيره مرة ﴿ذكره *﴾ أي حفظ القرآن كله وتذكر ما فيه من الوعظ من غير تكرير ولا معالجة تحوج إلى الإعراض عن بعض المقبلين الراغبين، واللإشارة إلى حفظه كله ذكر الضمير.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٢٥
ولما كان التقدير : حال كون القرآن مثبتاً أو حال كون الذاكر له مثبتاً، قال وصافاً لتذكرة مبيناً لشرفها بتشريف ظرفها وظرف ظرفها ﴿في صحف﴾ أي أشياء يكتب فيها من الورق وغيره ﴿مكرمة *﴾ أي مكررة التكريم ومعظمة في السماء والأرض في كل أمة وكل ملة ﴿مرفوعة﴾ أي عليه المقدار بإعلاء كل أحد لا سيما من له الأمر كله ﴿مطهرة *﴾ أي منزهة عن أيدي أهل السفول وعن قولهم إنها شعر أو سحر ونحو ذلك، وعلق أيضاً بمثبت بالفتح أو الكسر على اختلاف المعنيين - قوله مبيناً شرف ذلك الظرف لذلك الظرف إشارة إلى نهاية الشرف للمظروف :﴿بأيدي سفرة *﴾ أي كتبه يظهرون الكتابة بما فيها من الأخبار الغريبة والأحكام العلية في كل حال، فإن كان ما تعلق به الجار بالفتح فهو حقيقة في أنهم ملائكة يكتبونه من اللوح المحفوظ، أو يكون جمع سافر إما بمعنى الكتاب أو المسافر أي القطع للمسافة أو السفير الذي هو المصلح لأنهم سفراء بين الله وأنبيائه، وبهم يصلح أمر الدين والدنيا، وإن كان بالكسر فهو مجاز لأن من أقبل على كتابة الذكر يكون مهذباً في الحال أو في المآل في الغالب، وتركيب سفر للكشف ﴿كرام﴾ أي ينطوون على معالي الأخلاق مع أنهم أعزاء على الله ﴿بررة *﴾ أي أتقياء في أعلى مراتب التقوى والكرم وأعزها وأوسعها
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٢٥
ولما كان الوصف بهذه الأوصاف العالية للكتبة الذين أيديهم ظرف للصحف التي
٣٢٧


الصفحة التالية
Icon