قوله تعالى ﴿يعلم ما في السماوات وما في الأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور﴾ [التغابن : ٤] إلى ما قبله وبعده من الآيات إلى سوء جهل المنافقين وعظيم حرمانهم في قولهم بألسنتهم مما لم تنطو عليه قلوبهم ﴿والله يشهد أن المنافقين لكاذبون﴾ [المنافقين : ١] واتخاذهم أيمانهم جنة وصدهم عن سبيل الله إلى ما وصفهم سبحانه به، فافتتح سبحانه وتعالى سورة التغابن بتنزيهه عما توهموه من مرتكباتهم التي لا تخفى عليه سبحانه ﴿ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم﴾ [التوبة : ٧٨] ثم قال تعالى :﴿ويعلم ما تسرون وما تعلنون﴾ [التغابن : ٤] فقرع ووبخ في عدة آيات ثم أشار إلى ما منعهم من تأمل الآيات، وصدهم عن اعتبار المعجزات، وأنه الكبر المهلك غيرهم، فقال تعالى مخبراً عن سلفهم في هذا المرتكب، ممن أعقبه ذلك أليم العذاب وسوء المنقلب ﴿ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا﴾ [التغابن : ٦] ثم تناسج الكلام معرفاً بمآلهم الأخروي ومآل غيرهم إلى قوله ﴿وبئس المصير﴾ [التغابن : ١٠] ومناسبة ما بعد يتبين في التفسير بحول الله - انتهى.
ولما كان أعظم الدلائل عليه سبحانه آيات الآفاق ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق﴾ وآيات الأنفس، وقدم الأول علويه وسفليه لوضوحه، أتبعه الثاني دليلاً على عموم قدرته الدال على تمام ملكه بأنه المختص بالاختراع لأعجب الأشياء خلقاً والحمل على المكاره فقال :﴿هو﴾ أي وحده ﴿الذي خلقكم﴾ أي أنشأكم على ما أنتم عليه بأن قدركم وأوجدكم بالحق على وفق التقدير خلافاً لمن أنكر ذلك من الدهرية وأهل الطبائع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣


الصفحة التالية
Icon