ولما كان وصفها بما يقع فيها أهيب، قال مبدلاً من " إذا " ما يدل على جوابها من نحو : اشتغل كل بنفسه ولم يكن عنده فراغ ما لغيره :﴿يوم يفر المرء﴾ أي الذي هو أعظم الخلق مروءة : ولما كان السياق للفرار، قدم أدناهم رتبة في الحب والذب فأدناهم على سبيل الترقي، وأخر الأوجب في ذلك فالأوجب بخلاف ما في " سأل " كما مضى فقال :﴿من أخيه﴾ لأنه يألفه صغيراً وقد يركن إليه كبيراً مع طول الصحابة وشدة القرب في القرابة فيكون عنده في غاية العزة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٢
ولما كانت الأم مشاركة له في الإلف، ويلزم من حمايتها أكثر مما يلزم الأخ وهو لها آلف وإليها أحنّ وعليها أرق وأعطف قال ﴿وأمه﴾ ولما كان الأب أعظم منها في الإلف لأنه أقرب في النوع وللولد عليه من العاطفة لما له من مزيد النفع أكثر ممن قبله قال :﴿وأبيه *﴾ ولما كانت الزوجة التي هي أهل لأن تصحب ألصق بالفؤاد وأعرق في الوداد، وكان الإنسان أذب عنها عند الاشتداد، قال :﴿وصاحبته﴾ ولعله أفردها إشارة إلى أنها عنده في الدرجة العليا من المودة بحيث لا يألف غيرها.
ولما كان للوالد إلى الولد من المحبة والعاطفة والإباحة - بالسر والمشاورة في الأمر ما ليس لغيره، ولذلك يضيع عليه رزقه وعمره قال :﴿وبنيه *﴾ وإن اجتمع فيها الصغير الذي هو عليه أشفق والكبير الذي هو في قلبه أجل وفي عينه أنبل ومن بينهما من الذكر والأنثى.
ولما ذكر فراره الذي منعه قراره، علله فقال :﴿لكل امرئ﴾ أي وإن كان أعظم الناس مروءة ﴿منهم يومئذ﴾ أي إذ تكون هذه الدواهي العظام والشدائد والآلام ﴿شأن﴾ أي أمر بليغ عظيم ﴿يغنيه *﴾ أي يكفيه - وهو المنزل - الذي يرضيه مع أنه يعلم أنه يتبعونه ويخاف أن يطالبوه لما هم فيه من الكرب بما لعله قصر فيه من حقوقهم.


الصفحة التالية
Icon