ولما تمت الأحكام ودلائلها، وأحكمت الآيات وفواصلها، والتهديدات وغوائلها، كانت فذلكتها سياقها وموعظتها ما تسبب عن ذلك من قوله تعالى تنبيهاً على ما يحيي الحياة الطيبة وينجي في الدارين :﴿فاتقوا الله﴾ أي لاذي له الأمر كله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
ولما كان في تخليص المواعظ من الأحكام واستثمارها من فواصل هذا الكلام أمر عظيم هو من الرقة بمكان لا بصره إلا ذوو الأفهام إلى ذوو الأفهام قال تعالى :﴿يا أولي الألباب *﴾ أي العقول الصافية النافذة من الظواهر إلى البواطن ﴿الذين آمنوا﴾ أي خلصوا من دائرة الشرك وأوجدوا الإيمان حقيقة، ثم علل هذا الأمر بما أزال العذر فقال تنبيهاص على ما من علينا به من المراسلة فإن مراسلات فإن مراسلات الأكابر فخر فكيف بمراسلات الملوك فكيف بمراسلة ملك الملوك حثاً بذلك على شكره :﴿قد أنزل الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿إليكم﴾ خاصة ﴿ذكراً *﴾ أي كاملاً مذكوراً فيه غاية الشرف لكل من يقبله بل تشرفت الأرض كلها بنزوله ورفع عنها العذاب وعمها النور والصواب لأن فيه تبيان كل شيء، فمن استضاء بنوره اهتدى، ومن لجأ إلى برد أفنائه وصل من داء الجهل إلى شفائه.
٣٧
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦
ولما كان الرسول ﷺ صورة سورة القرآن، فالقرآن باطنه وهو ظاهره لأنه خلقه لا قوله له ولا فعل إلا به، فكان كأنه هو، أبدل منه قوله :﴿رسولا﴾ على أن الأمر فيه غي عن تأويل، فإن الذكر بكسر الذال في اللغة كما في القاموس من الرجال القوي الشجاع الأبي، يمبين كونه ذكراً بقوله :﴿يتلوا﴾ أي يتابع أن يقص ﴿عليكم آيات الله﴾ أي دلائل الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام الظاهر جداً حال كونها ﴿مبينات﴾ أي لا لبس فيها بوجه.


الصفحة التالية
Icon