ولما كانت هذه الأشياء لهولها موجبة لاجتماع الهم وصرف الفكر عما يشغله من زينة أو لهو أو لعب أو سهو، فكان موجباً للعلم بما يرجى نعيماً أو يوجب جحيماً، وكان ذلك موجباً لتشوف السامع إلى ما يكون، قال تعالى كاشفاً تلك النعمة بالعامل في " إذا " وما عطف عليها :﴿علمت نفس﴾ أي كل واحدة من النفوس، فالتنكير فيه مثله في " ثمرة خير من جرادة " ودلالة هذا السياق المهول على ذلك يوجب اليقين فيه ﴿ما﴾ أي كل شيء ﴿أحضرت *﴾ أي عملت وأوجدت، فكان أهلاً للحضور، وكان عمله لها
٣٣٩
سبباً للإحضار إياه لها في ذلك اليوم محفوظاً لم يغب عنه منها ذرة من خيره وشره، فلأجل ذلك كان لكل امرئ شأن يعنيه، فإنه لا بد أن يكون في أعماله ما لا يرضيه وما يستصغره عن حضرة العلي الكبير، فمن اعتقد ذلك رغب في أن لا يحضر إلا ما يسره، ورهب في إحضار ما يسوء فيضره، وجميع هذه الأشياء الاثني عشر المعدودة المذكورة في حيز " إذا " في الآخرة بعد النفخة الثانية على ما تقدم في الحاقة أنه الظاهر، وأنه رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، لأن التهويل بعد القيام أنسب، وأدخل في الحكمة وأغرب.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال سبحانه ﴿فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه﴾ [عبس : ٣٣ - ٣٤] الآيات إلى آخر السورة، كان مظنة لاستفهام السائل عن الوقوع متى يكون ؟ فقال تعالى :﴿إذا الشمس كورت﴾ [التكوير : ١] ووقوع تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسيير الجبال وتعطيل العشار كل ذلك متقدم على فرار المرء من أخيه وأمه وأبيه - إلى ما ذكر إلى آخر السورة لاتصال ما ذكر في مطلع سورة التكوير بقيام الساعة، فيصح أن يكون أمارة للأول وعلماً عليه - انتهى.


الصفحة التالية
Icon