ولما بين أن هذه الأشياء - التي لولاها لما طاب لهم عيش ولا تهنؤوا بحاية، وهي من الفضل بحيث لا يعلمه إلا خالقها - تصغر عن أن يقسم بها على شيء من فضائل القرآن لما له من عظيم الشأن الذي لا يطيق التعبير عنه البيان، ويتضاءل دونه اللسان، قال مجيباً لذلك إخباراً عما هو محقق في نفسه الأمر أعظم من تحقق هذه الأشياء المقسم بها، هادٍ إلى مصالح الدارين أكثر من هدايتها، مبيناً للسفيرين به المليكي والبشري عليهما الصلاة والسلام والتحية والإكرام مؤكداً لما يستحقه السياق كما يستحقه مع ما له من الإنكار تنبيهاً على ضعف عقولهم وعظيم سفههم بعد أن أقسم بثلاثة
٣٤١
أقسام، فإن نفي الإقسام بها بما ذكر من نقائصها - كالإقسام - بها مع بيان أن المقسم عليه أعظم منها بما لا يقايس :﴿إنه﴾ أي هذا الذكر الذي تقدم في عبس بعض ما يستحق من الأوصال الجميلة والنعوت الجليلة ﴿لقول رسول﴾ وهو جبريل عليه الصلاة والسلام نحن أرسلناه به إلى خير خلقنا وجعلناه بريداً بيننا وبينه لاقتضاء الحكمة ذلك، وهي أن يكون خلاصة الخلق ذا جهتين : واحدة ملكية يتلقى بها من الملائكة عليهم السلام لكون غيره من البشر لا يطيق ذلك، وأخرى بشرية يتلقى بها من المبعوث إليهم، ومن المعلوم أن الرسول إنما وظيفته تبليغ ما أرسل به فهو سفير محض، والذي أوحاه وإن كان قوله لكونه نطق به وبلغه من غير مشاركة شيطان ولا غيره هو قول الله من غير شك لكونه معبراً عن السفة القديمة النفسية، ولو كان قول الرسول مستقلاً به لما كان لوصفه بالرسالة مدخل فيما كانت البلاغة تقتضي ذكره بالوصف.


الصفحة التالية
Icon