وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال سبحانه وتعالى في سورة الانفطار ﴿وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين﴾ [الانفطار : ١٠] الآية وكان مقتضى ذلك الإشعار بوقوع الجزاء على جزيئات الأعمال وأنه لا يفوت عمل كما قال تعالى :﴿وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفا بنا حاسبين﴾ [الأنبيا : ٤٧] أتبع الآية المتقدمة بجزاء عمل يتوهم فيه قرب المرتكب وهو من أكبر الجرائم، وذلك التطفيف في المكيال والميزان والانحراف عن إقامة القسط في ذلك، فقال تعالى :﴿ويل للمطففين﴾ [المطففين : ١] ثم أردف تهديدهم وتشديد وعيدهم فقال :﴿ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم﴾ [المطففين : ٤ - ٥] ثم التحمت الآي مناسبة لما افتتحت به السورة إلى ختامها - انتهى.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أنهم أدمنوا على هذه الرذائل حتى صارت لهم خلقاً مرنوا عليه وأنسوا به وسكنوا إليه، وكان ذلك لا يكون إلا ممن أمن العقاب وأنكر الحساب، أنتج ذلك الإنكار عليهم على أبلغ الوجوه لإفهامه أن حالهم أهل لأن يتعجب منه ويستفهم عنه وأن المستفهم عن حصوله عندهم الظن، وأما اليقين فلا يتخيل فيهم لبعد أحوالهم الجافية وأفهامه الجامدة عنه فقال تعالى :﴿ألا يظن أولئك﴾ أي الأخساء البعداء الأرجاس الأرذال يتجدد لهم وقتاً من الأوقات ظن أن لم يتيقنوا بما مضى من البراهين التي أفادت أعلى رتب اليقين، فإنهم لو ظنوا ذلك ظناً نهاهم إن كان لهم نظر
٣٥٦
لأنفسهم عن أمثال هذه القبائح، ومن لم تفده تلك الدلائل القاطعة ظناً يحتاط به لنفسه فلا حس له أصلاً ﴿أنهم﴾ وعبر باسم المفعول فقال :﴿مبعوثون *﴾ إشارة إلى القهر على أهون وجه بالبعث الذي قد ألفوا مثله من القهر باليقظة بعد القهر بالنوم ﴿ليوم﴾ أي لأجله وفيه، وزاد التهويل بقوله :﴿عظيم *﴾ أي لعظمة ما يكون فيه من الجمع والحساب الذي يكون عنه الثواب والعقاب مما لا يعلمه على حقيقته إلا هو سبحانه وتعالى.


الصفحة التالية
Icon