ولما كان هذا قد صار كالأنعام في عدم النظر بل هو أضل سبيلاً لأنه قادر على النظر دونها، قال رادعاً له ومكذباً ومبيناً لما أدى به إلى هذا القول وهو لا يعتقده :﴿كلا﴾ أي ليرتدع ارتداعاً عظيماً ولينزجر انزجاراً شديداً، فليس الأمر كما قال في المتلو وهو معتقد له اعتقاداً جازماً لأنه لم يقله عن بصيرة ﴿بل ران﴾ أي غلب وأحاط وغطى تغطية الغيم للسماء والصدأ للمرآة، وجمع اعتباراً بمعنى " كل " لئلا يتعنت متعنت، فقال معبراً بجمع الكثرة إشارة إلى كثرتهم :﴿على قلوبهم﴾ أي كل من قال هذا القول ﴿ما كانوا﴾ أي بجلاتهم الفاسدة ﴿يكسبون *﴾ أي يجددون كسبه مستمرين عليه نم الأعمال الردية، فإن كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، فيتراكم الذنب على القلب فيسود، فلذلك كانوا يقولون مثل هذا الاعتقاد، بل هو شيء يسدون به المجلس ويقيمون لأنفسهم عند العامة المعاذير ويفترون به عزائم التاليين بما يحرقون من قلوبهم - أحرق الله قلوبهم وبيوتهم بالنار - فإنهم لا ينقطعون في عصر من الأعصار ولا يخشون من عار ولا شنار، روي أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبير هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :"إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة
٣٥٩


الصفحة التالية
Icon