ولما بين ما لهم من الفعل الذي هو للقلب والقالب، أتبعه القول بالتوبيخ والتبكيت الذي هو عذاب النفس، وبناه للمفعول لأن المنكىء سماعه لا كونه من معين، وإشارة إلى أنه يتمكن من قوله لهم كل من يصح منه القول من خزنة النار ومن أهل الجنة وغيرهم لأنه لا منعة عندهم :﴿ثم يقال﴾ أي لهم بعد مدة تبكيتاً وتقريعاً وتنديماً وتبشيعاً :﴿هذا﴾ أي العذاب الذي هو حالّ بكم ﴿الذي كنتم﴾ أي بما لكم من الجبلات الخبيثة ﴿به﴾ أي خاصة لأن تكذيبكم بغيره بالنسبة إليه لما له من القباحة ولكم من الرسوخ فيه والملازمة له ( ؟) ﴿تكذبون *﴾ أي توقعون التكذيب به وتجددونه مستمرين عليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٩
ولما كان هذا ربما أفهم أنهم يرون جميع عذابهم إذ ذاك، نفاه بقوله :﴿كلا﴾ أي ليس هو المجموع بل هو فرد من الجنس فلهذا عمل عليه الجنس وهو نزلهم والأمر أطم وأعظم من أن يحيط به الوصف.
ولما ذكر ما للمكذبين من العذاب الذي جره إليهم إقبالهم على الدنيا بادئاً به لأن المقام من أول السورة للوعيد وصوادع التهديد، أتبعه ما للمصدقين الذين أقبل بهم إلى السعادة ترك الحظوظ وإعراضهم عن عاجل شهوات الدنيا، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم :﴿إن كتاب الأبرار﴾ أي صحيفة حسنات الذين هم في غاية الاتساع في شرح صدورهم، واتساع عقولهم وكثرة أعمالهم وزكائها وغير ذلك من محاسن أمورهم ﴿لفي علييّن *﴾ أي أماكن منسوبة إلى العلو، وقع النسب أولاً إلى فعليّ ثم جمع وإن كان لا واحد له من لفظه كعشرين وأخواته، قال
٣٦١