ولما عظم كتابهم بهذه الفضائل، التفتت النفي إلى معرفة حالهم فقال شافياً لعي هذا الالتفات مؤكداً لأجل من ينكر :﴿إن الأبرار﴾ أي الذين هذا كتابهم ﴿لفي نعيم *﴾ أي محيط بهم ضد ما فيه الفجار من الجحيم : ولما كان لا شيء أنعم للإنسان من شيء عال يجلس عليه ويمد بصره إلى ما يشتهي مما ليده، قال مبيناً لذلك النعيم :﴿على الأرائك﴾ أي الأسرة العالية مع هذا العلو المطلق في الحجار التي يعيي الفكر وصفها لما لها من العلو من ترصيع اللؤلؤ والياقوت وغير ذلك مما لا يدخل تحت الحصر ﴿ينظرون *﴾ أي إلى ما يشتهون من الجنان والأنهار والحور والولدان، ليس لهم شغل غير ذلك وما شابهه من المستلذات.
وقال الإمام القشيري : أثبت النظر ولم يبين المنظور إليه لاختلافهم : منهم من ينظر إلى قصوره، ومنهم من ينظر إلى حوره، ومنهم
٣٦٢
ومنهم، والخواص على دوام الأوقات إلى الله تعالى ينظرون كما أن الفجار دائماً عن ربهم محجوبون.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦١
ولما وصف نعيمهم، أخبر أنهم من عراقتهم فيه يعرفهم به كل ناظر إليهم فقال تعالى :﴿تعرف﴾ أي أيها الناظر إليهم - هذا على قراءة الجماعة، وقرأ أبو جعفر ويعقوب بالبناء للمفعول، وهو أدل على العموم ﴿في وجوههم﴾ عند رؤيتهم ﴿نضرة النعيم *﴾ أي بهجته ورونقه وحسنه وبريقه وطراوته، من نضر البنات - إذا أزهر ونوّر، وقال الحسن رحمه الله تعالى : النضرة في الوجه والسرور في القلب.
ولما كانت مجالس الأنس لا سيما في الأماكن النضرة لا تطيب إلا بالمآكل والمشارب، وكان الشراب يدل على الأكل، قال مقتصراً عليه لأن هذه السور قصار يقصد فيها الجمع مع الاختصار قال :﴿يسقون﴾ بانياً له للمفعول دلالة على أنهم مهدومون أبداً لا كلفة عليهم في شيء ﴿من رحيق﴾ أي شراب خالص صاف عتيق أبيض مطيب في غاية اللذة، فإنهم قالوا : إن الرحيق الخمر أو أكيبها أو أفضلها أو الخالص أو الصافي، وضرب من الطيب.


الصفحة التالية
Icon