ولما ذكر الشراب، أتبعه مزاجه على ما يتعارفه أهل الدنيا لكن بما هو أشرف منه، فقال مبيناً لحال هذا المسقي :﴿ومزاجه﴾ أي يسقون منه والحال أن مزاج هذا الرحيق ﴿من تسنيم *﴾ علم على عين معينة وهو - مع كونه علماً - دال على أنها عالية يجري على الهواء متنسماً ينصب في أواني أهل الجنة على مقدار الحاجة، فإذا امتلأت أمسك، وهو في الشعر اسم جبل عال وكذا التنعيم وأصله ممن السنام، ولذلك قطعاً مادحاً فقال :﴿عيناً يشرب بها﴾ أي بسببها على طريقة المزاج منها ﴿المقربون *﴾ أي الذين وقع تقريبهم من اجتذاب بها إلا الرحيق، وأما غيرهم فلا يصل إليها أصلاً، وقال بعضهم : إن المقربين يشربون من هذه العين صرفاً، والأبرار يمزج لهم منها والفرق ظاهر - هنياً لهم.
ولما ذكر سبحانه جزاء الكافر بالجحيم وجزاء المؤمن بالنعيم، وكان من أجل النعيم الشماتة بالعدو، علل جواء الكافر بما فيه شماتة المؤمن به لأنه اشتغل في الدنيا بما لا يغني، فلزم من ذلك تفويته لما يغني، فقال مؤكداً لأن ذا المروءات والهمم العاليات والطبع السليم والمزاج القويم لا يكاد يصدق مثل هذا، وأكده إشارة إلى أن من حقه أن لا يكون :﴿إن الذين أجرموا﴾ أيقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ﴿كانوا﴾ أي في الدنيا ديدناً وخلقاً وطبعاً وجبلة ﴿من الذين آمنوا﴾ أي ولو كانوا في أدنى درجات الإيمان ﴿يضحكون *﴾ أي يجددون الضحك كلما رأوهم أو ذكروهم استهزاء بهم وبحالاتهم التي هم عليها من علاما الإيمان في رثاثة أحوالهم وقلة أموالهم واحتقارهم الناس لهم مع ادعائهم أن الله تعالى لا بد أن ينصرهم ويعلي أمرهم ﴿وإذا مروا﴾ أي الذين آمنوا ﴿بهم﴾ أي بالذين أجرموا في أي وقت من الأوقات يستهزئون و﴿يتغامزون﴾ أي يغمز بعض الذين أجرموا بعضاً لأذى الذين آمنوا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٣
٣٦٤