ولما كان هذا استفهاماً إنكارياً معناه النفي، فكان التقدير : إنهم لا يؤمنون ولا عذر لهم في ذلك أصلاً، أضرب عنه بقوله :﴿بل﴾ ووضع الظاهر موضع المضمر تعميماً وتنبيهاً على الوصف الذي حملهم على التكذيب فقال :﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا مرائي عقولهم الدالة على الحق ﴿يكذبون *﴾ أي بالقرآن وبما دل عليه من حقائق العرفان المعلية إلى أوج الإيمان بالواحد الديان ﴿والله﴾ أي والحال أن الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿أعلم﴾ أي منهم أنفسهم ﴿بما يوعودن *﴾ أي يضعون في أوعية صدورهم من الكفر والعداوة بسبب الشهوات الشاغلة لهم وهي حب الرئاسة وادعاء الألوهية الشاغلة لهم عن التدبر لهذا القرآن وعن شواهد الموجدات.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧٣
ولما كان هذا موجباً لشديد الإنذار، وضع موضعه تهكماً بهم وإعلاماً بأن الغضب قد بلغ منتهاه قوله :﴿فبشرهم﴾ أي أخبرهم يا أفضل الخلق وأكملهم وأعدلهم خبر يغير إبشارهم ﴿بعذاب أليم *﴾ أي شديد الألم لشدة إيلامه، إن كان لهم يوماً من الأيام بشارة فهي هذه.
ولما أخبر عنهم بهذا الهوان، وكان قد عبر عنهم بأدنى الأسنان إشارة إلى منهم من يقبل الإيمان، استثنى منهم فقال :﴿إلا الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿وعملوا﴾ دلالة على صدق إيمانهم ﴿الصالحات﴾.
ولما تقدم أن من حوسب عذب، وأن الناجي إنما يكون حسابه عرضاً، علم أنه ليس للأعمال دخل في الحقيقة في الأجر، وإنما المدار كما قال النبي ﷺ على التغمد
٣٧٤
بالرحمة حتى في تسمية النعيم أجراً، أسقط الفاء المؤذنة بالسبب تنبيهاً على ذلك بخلاف ما في سورة التين لما يأتي من اقتضاء سياقها للفاء فقال :﴿لهم أجر﴾ أي عظيم وثواب جزيل يعلمه الله تعالى وهو التجاوز عن صغائرهم وسترها ﴿غير ممنون *﴾ أي مقطوع أو منقوص أو يمتن عليهم به في الدنيا والآخرة يؤتون ذلك في يوم الدين يوم تنشق السماء وتمد الأرض ويثوب الكفار ما كانوا يفعلون، فقد رجع آخرها على أولها، واعتلق مفصلها حق الاعتلاق بموصلها.
٣٧٥
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧٣