ولما كان الجمع لأجل العرض، وكان العرض لا بد فيه من شهود ومشهود عليهم وجدال على عهود، قال منكّراً للإبهام للتعظيم والتعميم مثل ﴿علمت نفس ما نفسه من الأعيان والآثار الهائلة، أو عليه فإنه يوم تشهده جميع الخلائق، ويحضر فيه من العجائب أمور يكل عنها الوصف، ويحضره الأنبياء الشاهدون وأممهم المشهود عليهم، ولا تبقى صغيرة من الأعمال ولا كبيرة إلاّ أحصيت، وفي ذلك أشد وعيد لجميع العبيد.
ولما كان جواب القسم على ما دل عليه مقصود السورة وسوابقها ولواحقها : لنثوين الفريقين الأولياء والأعداء، ولندينن كلاًّ بما عمل، دل عليه بأفعاله في الدنيا
٣٧٧
ببعض الجبابرة فيما مضى، وفيما يفعل بجبابرة من كذب النبي ﷺ، فقال بادئاً بمن عذب بعذاب الله في القيامة للبداءة في آخر الانشقاق بقسم المكذبين وهم المحدث عنهم، معبراً بما يصلح للدعاء والحقيقة تسلية للمؤمنين وتثبيتاً لهم بما وقع لأمثالهم، وتحذيراً مما كان لأشكالهم :{قتل﴾ أي لعن بأيسر أمر وأسهله من كل لاعن لعناً لا فلاح معه، ووقع في الدنيا أنه قتل حقيقة ﴿أصحاب الأخدود *﴾ أي الخد العظيم، وهو الشق المستطيل في الأرض كالنهر، روي أن ملكاً من الكفار - وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان من حمير - من ملوك اليمن، وكان قبل مولد النبي ﷺ بسبعين سنة، آمن في زمانه ناس كثير، فخدّ لهم أخدوداً في الأرض وسجره ناراً وعرض من آمن عليه، فمن رجع عن دينه تركه، ومن ثبت - وهم الأغلب - قذفه في ذلك الأخدود فأحرقه.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : وردت هذه السورة في معرض الالتفات والعدول إلى إخبار نبي الله ﷺ بما تضمنته هذه السورة من قصة أصحاب الأخدود، وقد تقدم هذا الضرب في سورة المجادلة وسورة النبأ، وبينا وقوعه في أنفس السور ومتونها وهو أقرب فيما بين السورتين وأوضح - أنتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٧٦