ولما أمره بالتذكير لكل أحد، قسم الناس له إلى قسمين : قسم يقبل العلاج، وقسم لا يقبله، إعلاماً بأنه سبحانه وتعالى عالم بكل من القسمين جملة وأفراداً على التعيين ولم يزل عالماً بذلك، ولكنه لم يعين ابتلاء منه لعباده لتقوم له الحجة عليهم بما يتعارفونه بينهم وله الحجة البالغة، فقال حاثاً على شكر الجوائح من العقل ونحوه والجوارح من القلب واللسان وغيرهما :﴿سيذكر﴾ أي بوعد لا خلف فيه ولو على أخفى وجوه التذكير - بما أشار إليه الإدغام ﴿من يخشى﴾ أي في جبلته نوع خشية، وهو السعيد لما قدر له في نفسه من السعادة العظمة لقبول الحنيفية السمحة فيذكر ما يعلم منها في نفسه فيتعظ، فإن الخشية حاملة على كل خير فيتنعم بقلبه وقالبه في الجنة العليا ويحيى فيها حياة طيبة من غير سقم ولا توى، دائماً بلا آخر وانتهاء.
٣٩٨
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩٧
ولما ذكر من يحب حبه في الله ذكر من يبغض في الله، وعلامة الحب الاقتداء، وعلامة البغض التجنب والانتهاء والابتداع والإباء، فقال :﴿يتجنبها﴾ أي يكلف نفسه وفطرته الأولى المستقيمة تجنب الذكرى التي نشاء تذكيره بها من أشرف الخلائق وأعظمهم وصلة بالخالق.
ولما كان هذا الذي يعالج نفسه على العوج شديد العتو قال :﴿الأشقى *﴾ أي الذي له هذا الوصف على الإطلاق لأنه خالف أشرف الرسل فهو لا يخشى فكان أشقى الناس، كما أن من آمن به أشرف ممن آمن بمن قبله من الرسل عليهم الصلاة والسلام.