ولما ذكر الأعداء وقدمهم لما تقدم، أتبعه الأولياء فقال مستأنفاً ذكر ما لهم من ضد ما ذكر للأعداء :﴿وجوه يومئذ﴾ أي إذ كان ما ذكر ﴿ناعمة *﴾ أي ذات بهجة وسرور تظهر عليها النعمة والنضرة والراحة والرفاهية بضد تلك الناصبة، لأن هؤلاء أتبعوا أنفسهم في دار العمل الدنيا وصبروا على التقشف وشظف العيش ﴿لسعيها﴾ أي عملها للآخرة الذي كأنه لا سعي غيره خاصة لعملمها أنه منج ﴿راضية *﴾ لما رأت من ثوابه تود أن جميع سعيها في الدنيا كان لذلك بعد أن كان ذلك السعي الذي هو للآخرة كريهاً إليها في الدنيا لا تباشره إلا بشق الأنفس.
ولما ذكر السعي أتبعه ثوابه فقال :﴿في جنة عالية *﴾ أي في المكان العالي والمكانة العالية والأشجار والغرف وغير ذلك بما صرفوا أنفسهم عن الدنايا ورفعوا هممهم إلى النفائس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٧
ولما كان ما كان من هذا لا يصفو، وفيه ما يكره من الكلام قال منزهاً لها عن كل سوء :﴿لا تسمع﴾ أي أيها الداخل إليها - على قراءة الجماعة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بالبناء للمفعول وهو أبلغ في النفي ﴿فيها لاغية *﴾ أي لغو ما أو
٤٠٧
نفس تلغو أو كلمة ذات لغو على الإسناد المجازي، بل المسموع فيها الذكر من التحميد والتمجيد والتنزيه لحمل ما يرى فيها من البدائع على ذلك مع نزع الحظوظ الحاملة على غيره من القلوب بما كانوا يكرهون من لغو أهل الدنيا المنافي للحكمة.
ولما وصف الجنة بأول ما يعتبر فيها وهو عدم المنغص، أتبعه ما يطلب بعده وهو تناول الملتذات، وكان الأكل قد فهم من ذكر لفظ الجنة، ذكر المشروب لذلك ولدلالته إذا كان جارياً على زيادة حسن الجنة وكثر ما فيها من النباتات المقيتة والمفكهة من النجم والأشجار والري الأطيار، فقال لأنه ليس كل جنة مما نعرفه فيه ماء جارٍ بنفسه :﴿فيها﴾ أي الجنة.


الصفحة التالية
Icon