ولما نفى عنهم تسلط الدنيا، وكان التقدير : فمن أقبل وآمن فإن الله ينعمه النعيم الأكبر، قال مستدركاً قسيمهم في صورة الاستثناء :﴿إلا﴾ أي لكن ﴿من تولى﴾ أي كلف نفسه المطمئنة وفطرته الأولى المستقيمة للإعراض ﴿وكفر *﴾ أي وأصر على كفره، وأجاب الشرط بقوله مسبباً عنه :﴿فيعذبه﴾ أشد العذاب الذي لا يطيقه أصلب لأمرك المطاع ومرادك الذي كله الحسن الجميل، ولعله صوره وهو منقطع بصورة المتصل بالتعبير بأداته إشارة إلى أن العذاب من الله عذاب منه ﷺ، لأن سببه تكذيبهم له، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما " ألا " بالفتح والتخفيف على أنها استفتاحية ﴿العذاب الأكبر *﴾ يعني عذاب الآخرة، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً فيكون المعنى : أن من أصر على الكفر يسلطه الله عليه فيقتله فيعذبه الله في الدار الآخرة، ثم علل إخباره عنه عذابه في الآخرة بقوله مؤكداً لما لهم من التكذيب :﴿إن إلينا﴾ أي خاصة بما لنا من العظمة والكبرياء ﴿إيابهم *﴾ أي رجوعهم وإن أبوا بالموت ثم بالبعث ثم بالحشر.
ولما كان الحساب متأخراً عن ذلك كله، وعظيماً كماً وكيفاً، عظمه بأداة التراخي فقال :﴿ثم إن﴾ أكده لإنكارهم، وأتى بأداة دالة على أنه كالواجب في أنه لا بد منه فقال :﴿علينا﴾ أي خاصة بما لنا من القدرة والتنزه عن نقص العبث والجور وكل نقص، لا على غيرنا، لأن غيرنا لا قدرة له فقد تقدمنا فيه بالوعود الصادقة، وأكدناها غاية التأكيد ﴿حسابهم *﴾ أي يوم القيامة على النقير والقطمير، وغير ذلك من كل صغير وكبير، وذلك يكون في الغاشية يوم ينقسم الناس قسمين : في دار هوان، ودار أمان، فقد ألتف آخرها بأولها، وتعانق مفصلها بموصلها - والله الهادي للصواب وإليه المآب.
٤١٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١٢


الصفحة التالية
Icon