لإرشاد السياق إليه وتعويل المعنى عليه، وتهويلاً له مع العلم بأنه لا يكون قسم بغير مقسم عليه، وكان علمت القدرة عليه مما أشير إليه بالمقسم به، أوضح تلك القدرة بأمر العذاب الأدنى - للأمم الماضية، فقال مخاطباً لمن قال له في آخر تلك ﴿فذكر إنما أنت مذكر﴾ [الغاشية : ٢١] تسلية له ﷺ وإشعاراً بأنه لا يتدبره حق تدبره غيره، وتهديداً لمن كذب من قومه :﴿ألم تر﴾ أي تنظر بعين الفكر يا أشرف رسلنا فتعلم علماً هو في التيقن به كالمحسوس بالبصر، وعبر بالاستفهام إشارة إلى أن ما ندبه إلى رؤيته مما يستحقأن يسأل عنه :﴿كيف فعل ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك ختاماً لجميع الأنبياء بالأمم الماضية بما شاركوا به هؤلاء من تكذيب الرسل وجعل محط نظرهم الدنيا، وعملوا أعمال من يظن الخلود، وبدأ بأشدهم في ذلك وأعتاهم الذين قالوا : من أشد منا قوة ؟ فقال :﴿بعاد *﴾ أي الذين بلغوا في الشدة أن قالوا : من أشد منا قوة ؟ وقال لهم نبيهم هود ﷺ :﴿وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون﴾ [الشعراء : ١٢٩] ودل على ذلك بناؤهم جنة في هذه الدنيا الفانية التي هي دار الزوال، والقلعة والارتحال، والنكد والبلاء والكدر، والمرض والبؤس والضرر، فقال مبيناً لهم على حذف مضاف :﴿إرم﴾ أي أهلها وعمدتها، وأطلقها عليهم لشدة الملابسة لما لها من البناء العجيب والشأن الغريب، ثم بينها بقوله :﴿ذات﴾ أي صاحبة ﴿العماد *﴾ أي البناء العالي الثابت بالأعمدة التي لم يكن في هذه الدار مثلها، ولذا قال :﴿التي لم يخلق﴾ أي يقدر ويصنع - بناه للمفعول إرادة للتعميم ﴿مثلها﴾ يصح أن يعود الضمير على " عاد " باعتبار القبيلة، على " إرم " باعتبار البلدة، وأوضح هذا بقوله معمماً للأرض كلها :﴿في البلاد *﴾ أي في بنائها ومرافقها وصمارها، وتقسيم مياهها وأنهارها، وطيب أرضها وحسن أطيارها، وما اجتمع بها مما يفوت الحصر ويعجز القوى، ولا مثل أهلها الذين بنوها في قوة أبدانهم


الصفحة التالية
Icon