ولما بدأ بهؤلاء لأن أمرهم كان أعجب، وقصتهم أنزه وأغرب، ثنى بأقرب الأمم إليهم زماناً وأشبههم بهم شأناً لأنهم أترفوا بما حبوا به من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم، فجعلوا موضع ما لزمهم من الشكر الكفر، واستحبوا العمى على الهدى، مع ما في آيتهم، وهي الناقة، من عظيم الدلالة على القدرة فقال :﴿وثمود الذين جابوا﴾ أي نقبوا وقطعوا قطعاً حقيقاً كأنه عندهم كالواجب ﴿الصخر بالواد *﴾ أي وادي الحجر أو وادي القرى، فجعلوا بيوتاً منقورة في الجبال فعل من يغتال الدهر ويفني الزمان، قال أبو حيان : قيل أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة.
ولما ذكر القبيلتين من العرب، ذكر بعض من جاورهم من طغاة العجم لما في قصتهم من العتو والجبروت مع ما حوته من الغرائب وخوارق العجائب لا سيما في القدرة على البعث بقلب العصا حية وإعادتها جماداً مع التكرر، وبإيجاد الضفادع والقمل من كثبان الأرض وغير ذلك فقال :﴿وفرعون﴾ أي وفعل بفرعون ﴿ذي الأوتاد *﴾ أي الذي ثبّت ملكه تثبيت من يظن أنه لا يزول بالعساكر والجنود وغيرهم من كل ما يظن أنه يشد أمره من الجنات والعيون والزروع والمقامات الكريمة، فصارت له اليد المبسوطة في الملك.
ولما كان المراد بفرعون هو وجنوده لآن الرأس يكنى به عن البدن، لأنه جماعة وبه قوامه، وصفه بوصف يجمع قومه وجميع من ذكر هنا فقال :﴿الذين﴾ أي فرعون
٤١٨
وجنوده وكل من ذكر هنا من الكفرة من عاد وثمود وأتباعهم ﴿طغوا﴾ أي تجاوزوا الحدود ﴿في البلاد *﴾ أي التي ملكوها بالفعل وغيرها بالقوة ﴿فأكثروا﴾ عقب طغيانهم وبسببه ﴿فيها الفساد *﴾ بما فعلوا من الكفر والظلم مما صار سنة لمن سمع به.


الصفحة التالية
Icon