لا يختار واحدة منهما إلا بمعاناة وتكلف كمعاناة من يصعد في عقبة، والنجد لغة الموضع العالي، والله تعالى يعلي من أراد ما شاء منهما بخلاف ما كان يقتضيه ظاهر حاله من أنه لا يحب تكلف شيء أصلاً، ولا يريد الأشياء تأتيه إلا عفواً، وذلك لأجل إظهار قدرته سبحانه وتعالى، أما صعوبة طريق الخير فبما حفه به من المكاره حتى صار العمل به، مع أن كل أحد يعشق اسمه ومعناه، أشد شيء وأصعبه، وأشقه وأتعبه، وأما صعوبة طريق الشر فواضحة جداً مع أن الله يلزمه لمن أراد بتسهيله وتحبيبه وتخفيفه وتقريبه مع أن كل أحد يكره اسمه وينفر من معناه، وجعل الله تعالى الفطرة الأولى السليمة التي فطر الناس عليها من الاستقامة بحيث تدرك الشر وتنهى عنه، وتدرك الخير وتأمر به، غير أن الشهوات والحظوظ تعالجها، والغالب من أعانه الله، وإلى ذلك يشير حديث "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت" وحديث "البر ما اطمأنت إليه النفس وانشرح له الصدر، والإثم ما حاك في الصدر وتردد في القلب وإن أفتاك الناس وأفتوك " ولما كان معنى ما مضى أن هذا الإنسان عاجز وإن تناهت قوته، وبلغت الذروة قدرته، لسبق قوله تعالى :﴿وخلق الإنسان ضعيفاً﴾ [النساء : ٢٨] وأنه معلوم جميع أمره مفضوح في سره كما هو مفضوح في جهره، كما أشار إليه حديث جندب رضي الله تعالى عنه عند الطبراني "ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها" وحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه عند أحمد وأبي يعلى "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة يخرج عمله للناس" فهو موصول إليه مقدور عليه، وأنه كان يجب عليه الشكر على ما جعل له سبحانه وتعالى من القوى التي جعلها لسوء كسبه آلات للكفر، سبب سبحانه وتعالى عنه قوله تفصيلاً للأشياء الموصلة إلى الراحة في العقبى نافياً بفعلها عنه على سبيل الحقيقة دلالة على عجزه :﴿فلا اقتحم﴾ أي وثب ورمى بنفسه بسرعة وضغط وشدة حتى كان من شدة المحبة لما يراه فيما دخل فيه من الخير.
٤٣١