ولما كان ذلك من معالي الأخلاق، وموجبات الفواق والفواق والوفاق، كانت نتيجته لا محالة :﴿أولئك﴾ أي العظماء الكبراء العالو المنزلة، ولم يأت بضمير الفصل كما يأتي لأضدادهم ليخلص الفعل له سبحانه وتعالى من غير نظر إلى ضمائرهم الدالة على جبلاتهم لأنه هو الذي جبلها، وأغنى عنه بالإشارة الدالة على علو مقامهم وبعد مرامهم ﴿أصحاب الميمنة *﴾ أي الجانب الذي فيه اليمين الأبرار، كما مضى شرحه في سورة الواقعة.
وهذا تعريض بذلك الذي أتلف ماله في المنافسة.
والمشاققة والمعاكسة.
ولما أرشد السياق لمعادلة ﴿فلا اقتحم العقبة﴾ إلى أن التقدير : ولا أحجم عن المعطبة التي هي الأفعال الموجبة للمعتبة مع كونها متعبة، بل قطع من يستحق الوصل ووصل من يستأهل القطع، ثم كان من الذين كفروا وتواصوا بالملأمة واكتسبوا السيئات واتبعوا الشهوات وعاملوا بالقسوة، عطف عليه قوله :﴿والذين كفروا﴾ أي ستروا ما تظهر لهم مرائي بصائرهم من العلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٣
ولما كان الكفر بالآيات من أسوأ أنواع الكفر لأنه كفر بما جعله الله علماً على غيب عهده، وهي جميع ما تدركه الحواس من الأقوال والأفعال الدالة على ذي الجلال لأنها دالة على الصفات الدالة على الموصوف بها الذي ظهر بأفعاله وبطن بعظيم جلاله، قال :﴿بآياتنا﴾ أي ما لها من العظمة بالإضافة إلينا والظهور الذي لا يمكن خفاؤه ﴿هم﴾ أي خاصة لسوء ضمائرهم ولفساد جبلاتهم ﴿أصحاب المشأمة *﴾ أي الخصلة المكسبة للشؤم والحرمان والهلكة فهؤلاء مشائيم على أنفسهم، وكفرهم دال على فساد جبلاتهم فهو يشير إلى أن من كان كفره أخف لم يكن جبلياً، فيوشك أن يهدى فيكون من أصحاب الميمنة.
ولما كان معنى هذا أنهم في الجانب الذي فيه الشؤم والهلكة، والبعد من كل بركة، أنتج قوله :﴿عليهم﴾ أي خاصة دون غيرهم ﴿نار مؤصدة *﴾ أي مطبقة الباب مع إحاطتها بهم من جميع الجوانب - بما أفهمته أداة الاستعلاء ومع الضيق والوعورة،
٤٣٥
وهذا لعمري أشد الضيق والكبد، والنصب والنكد فالملجأ منه إلى الله الأحد، الواحد الصمد، وقد علم أن أوله هو هذا الآخر، فكان التقاطر فيها مما تشد به الأيدي وتعقد عليه الخناصر - والله تعالى هو المرجو للهداية إلى خير السرائر، وهو الهادي للصواب وإليه المرجع والمآب.
٤٣٦
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٣٣