ولما استووا في الظلم والكفر بسبب عقر الناقة بعضهم بالفعل وبعضهم بالرضا والحث، قال مسبباً عن ذلك ومعقباً :﴿فسواها *﴾ أي الدمدمة عليهم فجعلها كأنها أرض بولغ في تعديلها فلم يكن فيها شيء خارج عن شيء كما سوى الشمس المقسم بها وسوى بين الناس فيها، وكذا ما أقسم به بعدها، فكانت الدمدمة على قويهم كما كانت على ضعيفهم، فلم تدع منهم أحداً ولم يتقدم هلاك أحد منهم على أحد، بل كانوا كلهم كنفس واحدة من قوة الصعقة وشدة الرجفة كما أنهم استووا في الكفر والرضا بعقر الناقة وكل نفس هي عند صاحبها كالناقة قد أوصى الله صاحبها أن يرعى نعمته سبحانه فيها فيزكيها ولا يدسيها، فإن الناقة عبارة عن مطية يقطع عليها السير حساً أو معنى، وذلك صالح لأن يراد به النفس التي تقطع بها عقبات الأعمال، والسقيات ما يعيش المسقيّ به، وهو صالح لأن يراد به الذكر والعبادة، فمن لم يرع النعمة ويشكر
٤٤٣
المنعم فقد عقرها، فاستحق الدمدمة منه، وكما أنه سوى بينهم في الدمدمة سوى بين المهتدين في النجاة ﴿ولا﴾ أي والحال أنه لا ﴿يخاف﴾ في وقت من الأوقات أي ربهم، روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ويؤيده قراءة أهل المدينة والشام بالفاء المسببة عن الدمدمة والتسوية وكذلك هي في مصاحفهم ﴿عقباها *﴾ أي عاقبة هذه الدمددمة وتبعتها فإنه الملك الأعلى الذي كل شيء في قبضته لا كما يخاف كل معاقب من الملوك فيبقى بعض الإبقاء فعلم أنه سبحانه وتعالى يعلي أولياءه لأنهم على الحق، ويسفل أعداءه لأنهم على الباطل، فلا يضل بعد ذلك إلا هالك، بصيرته أشد ظلاماً من الليل الحالك، وقد رجع آخرها على أولها بالقسم وجوابه المحذوف الذي هو طبع النفوس على طبائع مختلفة والتقدم إليهم بالإنذار من الهلاك، ونفس القسم أيضاً فإن من له هذه الأفعال الهائلة التي سوى بين خلقه فيها وهذا التدبير المحكم هو بحيث لا يعجزه أمر ولا يخشى عاقبة - والله الموفق للصواب.
٤٤٤
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤١